البحر المحيط، ج ١٠، ص : ١٦٤
إلى ربنا حتى نعنى فيه، ففرض الجهاد وأعلم تعالى بحب المجاهدين، فكرهه قوم وفر بعضهم يوم أحد، فنزلت، أقوال. الأول : لابن زيد، والثاني : لقتادة، والثالث : لابن عباس وأبي صالح.
ومناسبتها لآخر السورة قبلها، أن في آخر تلك : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ «١»، فاقتضى ذلك إثبات العداوة بينهم، فحض تعالى على الثبات إذا لقي المؤمنون في الحرب أعداءهم. والنداء ب يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، إن كان للمؤمنين حقيقة، فالاستفهام يراد به التلطف في العتب، وإن كان للمنافقين، فالمعنى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا : أي بألسنتهم، والاستفهام يراد به الإنكار والتوبيخ وتهكم بهم في إسناد الإيمان إليهم، ولم يتعلق بالفعل وحده. ووقف عليه بالهاء أو بسكون الميم، ومن سكن في الوقف فلإجرائه مجرى الوقف، والظاهر انتصاب مَقْتاً على التمييز، وفاعل كَبُرَ : أن تَقُولُوا، وهو من التمييز المنقول من الفاعل، والتقدير : كبر مقت قولكم ما لا تفعلون.
ويجوز أن يكون من باب نعم وبئس، فيكون في كبر ضمير مبهم مفسر بالتمييز، وأن تقولوا هو المخصوص بالذم، أي بئس مقتا قولكم كذا، والخلاف الجاري في المرفوع في : بئس رجلا زيد، جار في أَنْ تَقُولُوا هنا، ويجوز أن يكون في كبر ضمير يعود على المصدر المفهوم من قوله : لِمَ تَقُولُونَ، أي كبر هو، أي القول مقتا، ومثله كبرت كلمة، أي ما أكبرها كلمة، وأن تقولوا بدل من المضمر، أو خبر ابتداء مضمر. وقيل : هو من أبنية التعجب، أي ما أكبره مقتا. وقال الزمخشري : قصد في كبر التعجب من غير لفظه كقوله :
غلت ناب كليب بواؤها ومعنى التعجب : تعظيم الأمر في قلوب السامعين، لأن التعجب لا يكون إلا من شيء خارج عن نظرائه وأشكاله، وأسند إلى أَنْ تَقُولُوا ونصب مَقْتاً على تفسيره، دلالة على أن قولهم ما لا يفعلون مقت خالص لا شوب فيه لفرط تمكن المقت منه، واختير لفظ المقت لأنه أشدّ البغض، ولم يقتصر على أن جعل البغض كثيرا حتى جعل أشدّه وأفحشه، وعند اللّه أبلغ من ذلك، لأنه إذا ثبت كبر مقته عند اللّه فقد تم كبره وشدته.
انتهى. وقال ابن عطية : والمقت : البغض من أجل ذنب أو ريبة أو دناءة يصنعها الممقوت.
انتهى. وقال المبرد : رجل ممقوت ومقيت، إذا كان يبغضه كل أحد. انتهى. وقرأ زيد بن عليّ : يقاتلون بفتح التاء. وقيل : قرىء يقتلون، وانتصب صفا على الحال، أي صافين