البحر المحيط، ج ١٠، ص : ١٩٢
فنزلت. وقيل : قالوا لهم : أين تذهبون وتدعون بلدكم وعشيرتكم وأموالكم؟ فغضبوا عليهم وقالوا : لئن جمعنا اللّه في دار الهجرة لم نصبكم بخير. فلما هاجروا، منعوهم الخير، فحبوا أن يعفوا عنهم ويردوا إليهم البر والصلة. ومن في مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ للتبعيض، وقد توجد زوجة تسر زوجها وتعينه على مقاصده في دينه ودنياه، وكذلك الولد.
وقال الشعب العبسي يمدح ولده رباطا :
إذا كان أولاد الرجال حزازة فأنت الحلال الحلو والبارد العذب
لنا جانب منه دميث وجانب إذا رامه الأعداء مركبه صعب
وتأخذه عند المكارم هزة كما اهتز تحت البارح الغصن الرطب
وقال قرمان بن الأعرف في ابنه منازل، وكان عاقا له، قصيدة فيها بعض طول منها :
وربيته حتى إذا ما تركته أخا القوم واستغنى عن المسح شاربه
فلما رآني أحسب الشخص أشخصا بعيدا وذا الشخص البعيد أقاربه
تعمد حقي ظالما ولوى يدي لوى يده اللّه الذي هو غالبه
نَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ
أي بلاء ومحنة، لأنهم يوقعون في الإثم والعقوبة، ولا بلاء أعظم منهما. وفي باب العداوة جاء بمن التي تقتضي التبعيض، وفي الفتنة حكم بها على الأموال والأولاد على بعضها، وذلك لغلبة الفتنة بهما، وكفى بالمال فتنة قصة ثعلبة بن حاطب، أحد من نزل فيه، ومنهم من عاهد اللّه : لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ «١» الآيات. وقد شاهدنا من ذكر أنه يشغله الكسب والتجارة في أمواله حتى يصلي كثيرا من الصلوات الخمس فائتة. وقد شاهدنا من كان موصوفا عند الناس بالديانة والورع، فحين لاح له منصب وتولاه، استناب من يلوذ به من أولاده وأقاربه، وإن كان بعض من استنابه صغير السن قليل العلم سيىء الطريقة، ونعوذ باللّه من الفتن. وقدمت الأموال على الأولاد لأنها أعظم فتنة، كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى، أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى «٢»، شغلتنا أموالنا وأهلونا.
اللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ
: تزهيد في الدنيا وترغيب في الآخرة. والأجر العظيم : الجنة.
فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، قال أبو العالية : جهدكم. وقال مجاهد : هو أن يطاع فلا يعصى، وَاسْمَعُوا ما توعظون به، وَأَطِيعُوا فيما أمرتم به ونهيتم عنه، وَأَنْفِقُوا فيما وجب عليكم. وخَيْراً منصوب بفعل محذوف تقديره : وأتوا خيرا، أو على إضمار
(٢) سورة العلق : ٩٦/ ٦ - ٧. [.....]