البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٢١٠
محذوف، أي غيرها. ومَنْ أَنْبَأَكَ هذا : أي بهذا، قالَ نَبَّأَنِيَ أي نبأني به أو نبأنيه، فإذا ضمنت معنى أعلم، تعدت إلى ثلاثة مفاعيل، نحو قول الشاعر :
نبئت زرعة والسفاهة كاسمها تهدي إليّ غرائب الأشعار
وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ : أي أطلعه، أي على إفشائه، وكان قد تكوتم فيه، وذلك بإخبار جبريل عليه السلام. وجاءت الكناية هنا عن التفشية والحذف للمفشى إليها بالسر، حياطة وصونا عن التصريح بالاسم، إذ لا يتعلق بالتصريح بالاسم غرض. وقرأ الجمهور :
عَرَّفَ بشد الرّاء، والمعنى : أعلم به وأنب عليه. وقرأ السلمي والحسن وقتادة وطلحة والكسائي وأبو عمرو في رواية هارون عنه : بخف الراء، أي جازى بالعتب واللوم، كما تقول لمن يؤذيك : لأعرفن لك ذلك، أي لأجازينك. وقيل : إنه طلق حفصة وأمر بمراجعتها. وقيل : عاتبها ولم يطلقها. وقرأ ابن المسيب وعكرمة : عراف بألف بعد الراء، وهي إشباع. وقال ابن خالويه : ويقال إنها لغة يمانية، ومثالها قوله :
أعوذ باللّه من العقراب الشائلات عقد الأذناب
يريد : من العقرب. وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ : أي تكرما وحياء وحسن عشرة. قال الحسن : ما استقصى كريم قط. وقال سفيان : ما زال التغافل من فعل الكرام، ومفعول عرّف المشدد محذوف، أي عرّفها بعضه، أي أعلم ببعض الحديث. وقيل : المعرّف خلافة الشيخين، والذي أعرض عنه حديث مارية.
ولما أفشت حفصة الحديث لعائشة واكتتمتها إياه، ونبأها الرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم به، ظنت أن عائشة فضحتها فقالت : مَنْ أَنْبَأَكَ هذا على سبيل التثبت، فأخبرها أن اللّه هو الذي نبأه به، فسكنت وسلمت.
إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ : انتقال من غيبة إلى خطاب، ويسمى الالتفات والخطاب لحفصة وعائشة. فَقَدْ صَغَتْ : مالت عن الصواب، وفي حرف عبد اللّه : راغت، وأتى بالجمع في قوله :
قُلُوبُكُما، وحسن ذلك إضافته إلى مثنى، وهو ضميراهما، والجمع في مثل هذا أكثر استعمالا من المثنى، والتثنية دون الجمع، كما قال الشاعر :
فتخالسا نفسيهما بنوافذ كنوافذ العبط التي لا ترفع
وهذا كان القياس، وذلك أن يعبر بالمثنى عن المثنى، لكن كرهوا اجتماع تثنيتين فعدلوا إلى الجمع، لأن التثنية جمع في المعنى، والإفراد لا يجوز عند أصحابنا إلا في الشعر، كقوله :