البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٢١٤
قولهم : عسل ناصح، أي خالص من الشمع، أو من النصاحة وهي الخياطة، أي قد أحكمها وأوثقها، كما يحكم الخياط الثوب بخياطته وتوثيقه.
وسمع عليّ أعرابيا يقول : اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك، فقال : يا هذا إن سرعة اللسان بالتوبة توبة الكذابين، قال : وما التوبة؟ قال : يجمعها ستة أشياء : على الماضي من الذنوب الندامة، وعلى الفرائض الإعادة، ورد المظالم واستحلال الخصوم، وأن يعزم على أن لا يعودوا، وأن تدئب نفسك في طاعة اللّه كما أدأبتها في المعصية، وأن تذيقها مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعاصي
، وعن حذيفة : بحسب الرجل من الشر أن يتوب من الذنب ثم يعود فيه. انتهى. ونصوحا من نصح، فاحتمل - وهو الظاهر - أن تكون التوبة تنصح نفس التائب، واحتمل أن يكون متعلق النصح الناس، أي يدعوهم إلى مثلها لظهور أمرها على صاحبها. وقرأ زيد بن علي : توبا بغير تاء، ومن قرأ بالضم جاز أن يكون مصدرا وصف كما قدمناه، وجاز أن يكون مفعولا له، أي توبوا لنصح أنفسكم. وقرأ الجمهور :
وَيُدْخِلَكُمْ عطفا على أَنْ يُكَفِّرَ. وقال الزمخشري : عطفا على محل عسى أن يكفر، كأنه قيل : توبوا يوجب تكفير سيئاتكم ويدخلكم. انتهى. والأولى أن يكون حذف الحركة تخفيفا وتشبيها لما هو من كلمتين بالكلمة الواحدة، تقول في قمع ونطع : قمع ونطع.
يَوْمَ لا يُخْزِي منصوب يدخلكم، ولا يخزي تعريض بمن أخزاهم اللّه من أهل الكفر، والنبي هو محمد رسول صلّى اللّه عليه وسلّم، وفي الحديث أنه صلّى اللّه عليه وسلّم تضرع إلى اللّه عز وجل في أمر أمته فأوحى اللّه تعالى إليه : إن شئت جعلت حسابهم إليك، فقال :«يا رب أنت أرحم بهم»، فقال تعالى : إذا لا أخزيك فيهم.
وجاز أن يكون : وَالَّذِينَ معطوفا على النَّبِيَّ، فيدخلون في انتفاء الخزي. وجاز أن يكون مبتدأ، والخبر نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ. وقرأ سهل بن شعيب وأبو حيوة : وبإيمانهم بكسر الهمزة، وتقدم في الحديث. يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا. قال ابن عباس والحسن : يقولون ذلك إذا طفىء نور المنافقين. وقال الحسن أيضا : يدعونه تقربا إليه، كقوله : وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ «١»، وهو مغفور له. وقيل : يقوله من يمر على الصراط زحفا وحبوا. وقيل : يقوله من يعطى من النور مقدار ما يبصر به موضع قدميه. يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ : تقدم نظير هذه الآية في التوبة.