البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٢١٥
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا : ضرب تعالى المثل لهم بامرأة نوح وامرأة لوط في أنهم لا ينفعهم في كفرهم لحمة نسب ولا وصلة صهر، إذ الكفر قاطع العلائق بين الكافر والمؤمن، وإن كان المؤمن في أقصى درجات العلا. ألا ترى إلى قوله تعالى : إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ «١»؟ كما لم ينفع تينك المرأتين كونهما زوجتي نبيين.
وجاءت الكناية عن اسمهما العلمين بقوله : عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا، لما في ذلك من التشريف بالإضافة إليه تعالى. ولم يأت التركيب بالضمير عنهما، فيكون تحتهما لما قصد من ذكر وصفهما بقوله : صالِحَيْنِ، لأن الصلاح هو الوصف الذي يمتاز به من اصطفاه اللّه تعالى بقوله في حق إبراهيم عليه الصلاة والسلام : وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ»
، وفي قول يوسف عليه السلام : وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ «٣»، وقول سليمان عليه الصلاة والسلام : وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ «٤». فَخانَتاهُما، وذلك بكفرهما وقول امرأة نوح عليه السلام : هو مجنون، ونميمة امرأة لوط عليه السلام بمن ورد عليه من الأضياف، قاله ابن عباس. وقال : لم تزن امرأة نبي قط، ولا ابتلي في نسائه بالزنا. قال في التحرير : وهذا إجماع من المفسرين، وفي كتاب ابن عطية. وقال الحسن في كتاب النقاش : فخانتاهما بالكفر والزنا وغيره. وقال الزمخشري : ولا يجوز أن يراد بالخيانة الفجور، لأنه سمج في الطباع نقيصة عند كل أحد، بخلاف الكفر، فإن الكفر يستسمجونه ويسمونه حقا. وقال الضحاك : خانتاهما بالنميمة، كان إذا أوحى إليه بشيء أفشتاه للمشركين، وقيل : خانتاهما بنفاقهما. قال مقاتل : اسم امرأة نوح والهة، واسم امرأة لوط والعة. فَلَمْ يُغْنِيا بياء الغيبة، والألف ضمير نوح ولوط : أي على قربهما منهما فرق بينهما الخيانة. وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ : أي وقت موتهما، أو يوم القيامة مَعَ الدَّاخِلِينَ :
الذين لا وصلة بينهم وبين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أو مع من دخلها من إخوانكما من قوم نوح وقوم لوط. وقرأ مبشر بن عبيد : تغنيا بالتاء، والألف ضمير المرأتين، ومعنى عَنْهُما : عن أنفسهما، ولا بد من هذا المضاف إلا أن يجعل عن اسما، كهي في : دع عنك، لأنها إن كانت حرفا، كان في ذلك تعدية الفعل الرافع للضمير المتصل إلى ضمير المجرور، وهو يجري مجرى المنصوب المتصل، وذلك لا يجوز.
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ : مثل تعالى حال المؤمنين في أن
(٢) سورة البقرة : ٢/ ١٣٠.
(٣) سورة يوسف : ١٢/ ١٠١.
(٤) سورة النمل : ٢٧/ ١٩.