البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٢١٦
وصلة الكفار لا تضرهم ولا تنقص من ثوابهم بحال امرأة فرعون، واسمها آسية بنت مزاحم، ولم يضرها كونها كانت تحت فرعون عدوّ اللّه تعالى والمدعي الإلهية، بل نجاها منه إيمانها وبحال مريم، إذ أوتيت من كرامة اللّه تعالى في الدنيا والآخرة، والاصطفاء على نساء العالمين، مع أن قومها كانوا كفارا. إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ : هذا يدل على إيمانها وتصديقها بالبعث. قيل : كانت عمة موسى عليه السلام، وآمنت حين سمعت بتلقف عصاه ما أفك السحرة. طلبت من ربها القرب من رحمته، وكان ذلك أهم عندها، فقدمت الظرف، وهو عِنْدَكَ بَيْتاً، ثم بينت مكان القرب فقالت : فِي الْجَنَّةِ. وقال بعض الظرفاء : وقد سئل : ابن في القرآن مثل قولهم : الجار قبل الدار، قال : قوله تعالى ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ، فعندك هو المجاورة، وبيتا في الجنة هو الدار، وقد تقدم عِنْدَكَ على قوله : بَيْتاً. وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ، قيل : دعت بهذه الدعوات حين أمر فرعون بتعذيبها لما عرف إيمانها بموسى عليه السلام. وذكر المفسرون أنواعا مضطربة في تعذيبها، وليس في القرآن نصا أنها عذبت. وقال الحسن : لما دعت بالنجاة، نجاها اللّه تعالى أكرم نجاة، فرفعها إلى الجنة تأكل وتشرب وتتنعم. وقيل : لما قالت : ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ، أريت بيتها في الجنة يبنى، وَعَمَلِهِ، قيل :
كفره. وقيل : عذابه وظلمه وشماتته. وقال ابن عباس : الجماع. وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، قال : أهل مصر، وقال مقاتل : القبط، وفي هذا دليل على الالتجاء إلى اللّه تعالى عند المحن وسؤال الخلاص منها، وإن ذلك من سنن الصالحين والأنبياء.
وَمَرْيَمَ : معطوف على امرأة فرعون، ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا : تقدم تفسير نظير هذه في سورة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وقرأ الجمهور : ابنت بفتح التاء وأيوب السختياني : ابنه بسكون الهاء وصلا أجراه مجرى الوقف. وقرأ الجمهور : فَنَفَخْنا فِيهِ : أي في الفرج وعبد اللّه : فيها، كما في سورة الأنبياء، أي في الجملة. وجمع تعالى في التمثيل بين التي لها زوج والتي لا زوج لها تسلية للأرامل وتطييبا لقلوبهن. وقرأ الجمهور : وَصَدَّقَتْ بشد الدال ويعقوب وأبو مجلز وقتادة وعصمة عن عاصم : بخفها، أي كانت صادقة بما أخبرت به من أمر عيسى عليه السلام، وما أظهر اللّه له من الكرامات. وقرأ الجمهور : وكلماته جمعا، فاحتمل أن تكون الصحف المنزلة على إدريس عليه السلام وغيره، وسماها كلمات لقصرها، ويكون المراد بكتبه : الكتب الأربعة. واحتمل أن تكون الكلمات : ما كلم اللّه تعالى به ملائكته وغيرهم،