البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٢٢٤
لشدة اضطرابها، ويقال : فلان يتميز من الغيظ إذا وصفوه بالإفراط في الغضب. وقرأ الجمهور : تَمَيَّزُ بتاء واحدة خفيفة، والبزي يشدّدها، وطلحة : بتاءين، وأبو عمرو :
بإدغام الدال في التاء، والضحاك : تمايز على وزن تفاعل، وأصله تتمايز بتاءين وزيد بن علي وابن أبي عبلة : تميز من ماز من الغيظ على الكفرة، جعلت كالمغتاظة عليهم لشدة غليانها بهم، ومثل هذا في التجوز قول الشاعر :
في كلب يشتد في جريه يكاد أن يخرج من إهابه
وقولهم : غضب فلان، فطارت منه شقة في الأرض وشقة في السماء إذا أفرط في الغضب. ويجوز أن يراد من غيظ الزبانية. كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ : أي فريق من الكفار، سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها : سؤال توبيخ وتقريع، وهو مما يزيدهم عذابا إلى عذابهم، وخزنتها :
مالك وأعوانها، أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ : ينذركم بهذا اليوم، قالُوا بَلى : اعتراف بمجيء النذر إليهم. قال الزمخشري : اعتراف منهم بعدل اللّه، وإقرار بأنه عز وعلا أزاح عللهم ببعثة الرسل وإنذارهم فيما وقعوا فيه، وأنهم لم يؤتوا من قدره كما تزعم المجبرة، وإنما أتوا من قبل أنفسهم واختيارهم، خلاف ما اختار اللّه وأمر به وأوعد على ضده. انتهى، وهو على طريق المعتزلة. والظاهر أن قوله : إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ، من قول الكفار للرسل الذين جاءوا نذرا إليهم، أنكروا أولا أن اللّه نزل شيئا، واستجهلوا ثانيا من أخبر بأنه تعالى أرسل إليهم الرسل، وأن قائل ذلك في حيرة عظيمة. ويجوز أن يكون من قول الخزنة للكفار إخبارا لهم وتقريعا بما كانوا عليه في الدنيا. أرادوا بالضلال الهلاك الذي هم فيه، أوسموا عقاب الضلال ضلالا لما كان ناشئا عن الضلال. وقال الزمخشري : أو من كلام الرسل لهم حكوه للخزنة، أي قالوا لنا هذا فلم نقبله. انتهى. فإن كان الخطاب في إِنْ أَنْتُمْ للرسل، فقد يراد به الجنس، ولذلك جاء الخطاب بالجمع. وَقالُوا : أي للخزنة حين حاوروهم، لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ سماع طالب للحق، أَوْ نَعْقِلُ. عقل متأمل له، لم نستوجب الخلود في النار. فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ : أي بتكذيب الرسل، فَسُحْقاً : أي فبعدا لهم، وهو دعاء عليهم، والسحق : البعد، وانتصابه على المصدر : أي سحقهم اللّه سحقا، قال الشاعر :
يجول بأطراف البلاد مغربا وتسحقه ريح الصبا كل مسحق
والفعل منه ثلاثي. وقال الزجاج : أي أسحقهم اللّه سحقا، أي باعدهم بعدا. وقال أبو علي الفارسي : القياس إسحاقا، فجاء المصدر على الحذف، كما قيل :