البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٢٢٧
تزعمون أنه في السماء؟ وهو المتعالي عن المكان. وقيل : من على حذف مضاف، أي خالق من في السماء. وقيل : من هم الملائكة. وقيل : جبريل، وهو الملك الموكل بالخسف وغيره. وقيل : من بمعنى على، ويراد بالعلو القهر والقدرة لا بالمكان، وفي التحرير : الإجماع منعقد على أنه ليس في السماء بمعنى الاستقرار، لأن من قال من المشبهة والمجسمة أنه على العرش لا يقول بأنه في السماء. أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ وهو ذهابها سفلا، فَإِذا هِيَ تَمُورُ : أي تذهب أو تتموج، كما يذهب التراب في الريح.
وقد تقدم شرح الحاصب في سورة الإسراء، والنذير والنكير مصدران بمعنى الإنذار والإنكار، وقال حسان بن ثابت :
فأنذر مثلها نصحا قريشا من الرحمن إن قبلت نذير
وأثبت ورش ياء نذيري ونكيري، وحذفها باقي السبعة. ولما حذرهم ما يمكن إحلاله بهم من الخسف وإرسال الحاصب، نبههم على الاعتبار بالطير وما أحكم من خلقها، وعن عجز آلهتهم عن شيء من ذلك، وناسب ذلك الاعتبار بالطير، إذ قد تقدمه ذكر الحاصب، وقد أهلك اللّه أصحاب الفيل بالطير والحاصب الذي رمتهم به، ففيه إذكار قريش بهذه القصة، وأنه تعالى لو شاء لأهلكهم بحاصب ترمي به الطير، كما فعل بأصحاب الفيل. صافَّاتٍ : باسطة أجنحتها صافتها حتى كأنها ساكنة، وَيَقْبِضْنَ : ويضممن الأجنحة إلى جوانبهن، وهاتان حالتان للطائر يستريح من إحداهما إلى الأخرى. وعطف الفعل على الاسم لما كان في معناه، ومثله قوله تعالى : فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً فَأَثَرْنَ «١»، عطف الفعل على الاسم لما كان المعنى : فاللاتي أغرن صبحا فأثرن، ومثل هذا العطف فصيح، وعكسه أيضا جائز إلا عند السهيلي فإنه قبيح، نحو قوله :
بات يغشيها بغضب باتر يقصد في أسوقها وجائر
أي : قاصد في أسوقها وجائر. وقال الزمخشري : صافَّاتٍ : باسطات أجنحتهن في الجو عند طيرانها، لأنهن إذا بسطنها صففن قوادمها صفا، وَيَقْبِضْنَ : ويضمنها إذا ضربن بها جنوبهن. فإن قلت : لم قيل وَيَقْبِضْنَ، ولم يقل : وقابضات؟ قلت : أصل الطيران هو صف الأجنحة، لأن الطيران في الهواء كالسباحة في الماء، والأصل في السباحة مد الأطراف وبسطها. وأما القبض فطارىء على البسط للاستظهار به على

(١) سورة العاديات : ١٠٠/ ٣ - ٤.


الصفحة التالية
Icon