البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٢٣٥
فمن جعله البهموت، جعل القلم هو الذي خلقه اللّه وأمره بكتب الكائنات، وجعل الضمير في يَسْطُرُونَ للملائكة. ومن قال : هو اسم، جعله القلم المتعارف بأيدي الناس نص على ذلك ابن عباس وجعل الضمير في يَسْطُرُونَ للناس، فجاء القسم على هذا المجموع أمر الكتاب الذي هو قوام للعلوم وأمور الدنيا والآخرة، فإن القلم أخو اللسان ونعمة من اللّه عامة. انتهى. وقرأ الجمهور : ن بسكون النون وإدغامها في واو وَالْقَلَمِ بغنة وقوم بغير غنة، وأظهرها حمزة وأبو عمرو وابن كثير وقالون وحفص. وقرأ ابن عباس وابن أبي إسحاق والحسن وأبو السمال : بكسر النون لالتقاء الساكنين وسعيد بن جبير وعيسى : بخلاف عنه بفتحها، فاحتمل أن تكون حركة إعراب، وهو اسم للسورة أقسم به وحذف حرف الجر، فانتصب ومنع الصرف للعلمية والتأنيث، ويكون وَالْقَلَمِ معطوفا عليه. واحتمل أن يكون لالتقاء الساكنين، وأوثر الفتح تخفيفا كأين، وما يحتمل أن تكون موصولة ومصدرية، والضمير في يَسْطُرُونَ عائد على الكتاب لدلالة القلم عليهم، فإما أن يراد بهم الحفظة، وإما أن يراد كل كاتب. وقال الزمخشري : ويجوز أن يراد بالقلم أصحابه، فيكون الضمير في يَسْطُرُونَ لهم، كأنه قيل : وأصحاب القلم ومسطوراتهم أو وتسطيرهم. انتهى. فيكون كقوله : كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ «١» : أي وكذي ظلمات، ولهذا عاد عليه الضمير في قوله : يَغْشاهُ مَوْجٌ «٢».
وجواب القسم : ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ. ويظهر أن بِنِعْمَةِ رَبِّكَ قسم اعترض به بين المحكوم عليه والحكم على سبيل التوكيد والتشديد والمبالغة في انتفاء الوصف الذميم عنه صلّى اللّه عليه وسلّم. وقال ابن عطية : بِنِعْمَةِ رَبِّكَ اعتراض، كما تقول للإنسان :
أنت بحمد اللّه فاضل. انتهى. ولم يبين ما تتعلق به الباء في بِنِعْمَةِ. وقال الزمخشري :
يتعلق بِمَجْنُونٍ منفيا، كما يتعلق بعاقل مثبتا في قولك : أنت بنعمة اللّه عاقل، مستويا في ذلك النفي والإثبات استواءهما في قولك : ضرب زيد عمرا، وما ضرب زيد عمرا تعمل الفعل مثبتا ومنفيا إعمالا واحدا، ومحله النصب على الحال، كأنه قال : ما أنت بمجنون منعما عليك بذلك، ولم تمنع الباء أن يعمل مجنون فيما قبله لأنها زائدة لتأكيد النفي، والمعنى : استبعاد ما كان ينسبه إليه كفار مكة عداوة وحسدا، وأنه من إنعام اللّه تعالى عليه بحصافة العقل والشهامة التي يقتضيها التأهيل للنبوة بمنزلة. انتهى.

(١) سورة النور : ٢٤/ ٤٠.
(٢) سورة النور : ٢٤/ ٤٠.


الصفحة التالية
Icon