البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٢٤٨
لسنة الجدب : كشفت ساقها، ونكر ساق للدلالة على أنه أمر مبهم في الشدة، خارج عن المألوف، كقوله تعالى : يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ، فكأنه قيل : يوم يقع أمر فظيع هائل. وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ : ظاهره أنهم يدعون، وتقدم أن ذلك على سبيل التوبيخ لا على سبيل التكليف. وقيل : الداعي ما يرونه من سجود المؤمنين، فيريدون هم السجود فلا يستطيعونه، كما
ورد في الحديث الذي حاورهم فيه اللّه تعالى أنهم يقولون : أنت ربنا، ويخرون للسجود، فيسجد كل مؤمن وتصير أصلاب المنافقين والكفار كصياصي البقر عظما واحدا، فلا يستطيعون سجودا.
انتهى. ونفي الاستطاعة للسجود في الآخرة لا يدل على أن لهم استطاعة في الدنيا، كما ذهب إليه الجبائي.
وخاشِعَةً : حال، وذو الحال الضمير في يُدْعَوْنَ، وخص الأبصار بالخشوع، وإن كانت الجوارح كلها خاشعة، لأنه أبين فيه منه في كل جارحة، تَرْهَقُهُمْ : تغشاهم، ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ. قيل : هو عبارة عن جميع الطاعات، وخص بالذكر من حيث هو أعظم الطاعات، ومن حيث امتحنوا به في الآخرة. وقال النخعي والشعبي :
أراد بالسجود : الصلوات المكتوبة. وقال ابن جبير : كانوا يسمعون النداء للصلاة وحي على الفلاح فلا يجيبون.
فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ، المعنى : خل بيني وبينه، فإني سأجازيه وليس ثم مانع. وهذا وعيد شديد لمن يكذب بما جاء به الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم من أمر الآخرة وغيره، وكان تعالى قدم أشياء من أحوال السعداء والأشقياء. ومن في موضع نصب، إما عطفا على الضمير في ذرني، وإما على أنه مفعول معه. سَنَسْتَدْرِجُهُمْ إلى قوله : مَتِينٌ : تكلم عليه في الأعراف. أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً إلى : يَكْتُبُونَ : تكلم عليه في الطور.
روي أنه صلّى اللّه عليه وسلّم أراد أن يدعو على الذين انهزموا بأحد حين اشتد بالمسلمين الأمر.
وقيل : حين أراد أن يدعو على ثقيف، فنزلت
: فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ : وهو إمهالهم وتأخير نصرك عليهم، وامض لما أمرت به من التبليغ واحتمال الأذى، وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ : هو يونس عليه السلام، إِذْ نادى : أي في بطن الحوت، وهو قوله : أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ «١»، وليس النهي منصبا على الذوات، إنما المعنى : لا يكن حالك مثل حاله.
إِذْ نادى : فالعامل في إذ هو المحذوف المضاف، أي كحال أو كقصة صاحب الحوت،