البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٢٥٨
واسطة مخلوق. ويبعد قوله من قال : إنها الزلزلة، لأن الزلزلة ليس فيها حمل، إنما هي اضطراب. والتشديد على أن تكون للتكثير، أو يكون التضعيف للنقل، فجاز أن تكون الْأَرْضُ وَالْجِبالُ المفعول الأول أقيم مقام الفاعل، والثاني محذوف، أي ريحا تفتتها أو ملائكة أو قدرة. وجاز أن يكون الثاني أقيم مقام الفاعل، والأول محذوف، وهو واحد من الثلاثة المقدرة. وثني الضمير في فَدُكَّتا، وإن كان قد تقدمه ما يعود عليه ضمير الجمع، لأن المراد جملة الأرض وجملة الجبال، أي ضرب بعضها ببعض حتى تفتتت، وترجع كما قال تعالى : كَثِيباً مَهِيلًا «١». والدك فيه تفرق الأجزاء لقوله : هَباءً «٢»، والدق فيه اختلاف الأجزاء. وقيل : تبسط فتصير أرضا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا، وهو من قولهم : بعير أدك وناقة دكاء إذا ضعفا، فلم يرتفع سنامهما واستوت عراجينهما مع ظهريهما. فَيَوْمَئِذٍ معطوف على فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ، وهو منصوب بوقعت، كما أن إذا منصوب بنفخ على ما اخترناه وقررناه واستدللنا له في أن العامل في إذا هو الفعل الذي يليهما لا الجواب، وإن كان مخالفا لقول الجمهور. والتنوين في إذ للعوض من الجملة المحذوفة، وهي في التقدير : فيوم إذ نفخ في الصور وجرى كيت وكيت، والواقعة هي القيامة، وقد تقدم في إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ «٣» أن بعضهم قال : هي صخرة بيت المقدس.
وَانْشَقَّتِ السَّماءُ : أي انفطرت وتميز بعضها من بعض، فَهِيَ يَوْمَئِذٍ انشقت، واهِيَةٌ : ضعيفة لتشققها بعد أن كانت شديدة، أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ «٤»، أو منخرقة، كما يقال : وهي السقاء انخرق. وقيل انشقاقها لنزول الملائكة، قال تعالى :
وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا «٥». وقيل : انشقاقها لهول يوم القيامة.
وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها، قال ابن عباس : على حافاتها حين تنشق، والظاهر أن الضمير في حافاتها عائد على السماء. وقال ابن جبير والضحاك : على حافات الأرض، ينزلون إليها يحفظون أطرافها، وإن لم يجر لها ذكر قريب. كما
روي أن اللّه تعالى يأمر ملائكة سماء الدنيا فيقفون صفا على حافات الأرض، ثم ملائكة الثانية فيصفون حولهم، ثم ملائكة كل سماء، فكلما ندّ أحد من الجن والإنس وجد الأرض أحيط بها.
وَالْمَلَكُ : اسم جنس يراد به الملائكة. وقال الزمخشري : فإن قلت : ما الفرق بين قولك : وَالْمَلَكُ، وبين أن

(١) سورة المزمل : ٧٣/ ١٤.
(٢) سورة الواقعة : ٥٦/ ٦.
(٣) سورة الواقعة : ٥٦/ ١. [.....]
(٤) سورة النازعات : ٧٩/ ٢٧.
(٥) سورة الفرقان : ٢٥/ ٢٥.


الصفحة التالية
Icon