البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٢٥٩
يقال : والملائكة؟ قلت : الملك أعم من الملائكة. ألا ترى أن قولك : ما من ملك إلا وهو شاهد، أعم من قولك : ما من ملائكة؟ انتهى. ولا يظهر أن الملك أعم من الملائكة، لأن المفرد المحلى بالألف واللام الجنسية قصاراه أن يراد به الجمع المحلى بهما، ولذلك صح الاستثناء منه، فقصاراه أن يكون كالجمع المحلى بهما. وأما دعواه أنه أعم منه بقوله : ألا ترى إلخ، فليس دليلا على دعواه، لأن من ملك نكرة مفردة في سياق النفي قد دخلت عليها من المخلصة للاستغراق، فشملت كل ملك فاندرج تحتها الجمع لوجود الفرد فيه فانتفى كل فرد فرد، بخلاف من ملائكة، فإن من دخلت على جمع منكر، فعم كل جمع جمع من الملائكة، ولا يلزم من ذلك انتفاء كل فرد فرد من الملائكة. لو قلت : ما في الدار من رجال، جاز أن يكون فيها واحد، لأن النفي إنما انسحب على جمع، ولا يلزم من انتفاء الجمع أن ينتفي المفرد.
والملك في الآية ليس في سياق نفي دخلت عليه من فيكون أعم من جمع دخلت عليه من، وإنما جيء به مفردا لأنه أخف، ولأن قوله : عَلى أَرْجائِها يدل على الجمع، لأن الواحد بما هو واحد لا يمكن أن يكون على أرجائها في وقت واحد، بل في أوقات.
والمراد، واللّه تعالى أعلم، أن الملائكة على أرجائها، لا أنه ملك واحد ينتقل على أرجائها في أوقات. وقال الزمخشري : يعني أنها تنشق، وهي مسكن الملائكة، فينضوون إلى أطرافها وما حولها من حافاتها. انتهى. والضمير في فوقهم عائد على الملك ضمير جمع على المعنى، لأنه يراد به الجنس، قال معناه الزمخشري. وقيل : يعود على الملائكة الحاملين، أي فوق رؤوسهم. وقيل : على العالم كلهم. والظاهر أن التمييز المحذوف في قوله : ثَمانِيَةٌ أملاك، أي ثمانية أشخاص من الملائكة وعن الضحاك : ثمانية صفوف وعن الحسن، اللّه أعلم كم هم، أثمانية صفوف أم ثمانية أشخاص؟ وذكروا في صفات هؤلاء الثمانية أشكالا متكاذبة ضربنا عن ذكرها صفحا.
يَوْمَئِذٍ : أي يوم إذ كان ما ذكر، تُعْرَضُونَ : أي للحساب، وتعرضون هو جواب قوله : فَإِذا نُفِخَ. فإن كانت النفخة هي الأولى، فجاز ذلك لأنه اتسع في اليوم فجعل ظرفا للنفخ ووقوع الواقعة وجميع الكائنات بعدها وإن كانت النفخة هي الثانية، فلا يحتاج إلى اتساع لأن قوله : فَيَوْمَئِذٍ معطوف على فَإِذا، ويَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ بدل من ف يَوْمَئِذٍ، وما بعد هذه الظروف واقع في يوم القيامة. والخطاب في تُعْرَضُونَ لجميع العالم المحاسبين. وعن عبد اللّه : رأى موسى في القيامة عرضتان فيهما معاذير وتوقيف