البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٢٦٠
وخصومات، وثالثة تتطاير فيها الصحف للإيمان والشمائل. وقرأ الجمهور : لا تَخْفى بتاء التأنيث وعلي وابن وثاب وطلحة والأعمش وحمزة والكسائي وابن مقسم عن عاصم وابن سعدان : بالياء، خافِيَةٌ : سريرة وحال كانت تخفى في الدنيا.
قوله عز وجل : فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ، إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ، فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ، فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ، قُطُوفُها دانِيَةٌ، كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ، وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ، وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ، يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ، ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ، هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ، خُذُوهُ فَغُلُّوهُ، ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ، ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ، إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ، وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ، فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ، وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ، لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ.
أما : حرف تفصيل فصل بها ما وقع في يوم العرض. ويظهر أن من قضى عليه دخول النار من الموحدين، أنه في يوم العرض يأخذ كتابه بيمينه مع الناجين من النار، ويكون ذلك يأنس به مدة العذاب. وقيل : لا يأخذه حتى يخرج من النار، وإيمانه أنيسه مدة العذاب.
قيل : وهذا يظهر لأن من يسار به إلى النار كيف يقول : هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ؟ وهل هذا إلا استبشار وسرور؟ فلا يناسب دخول النار. وهاؤم إن كان مدلولها خذ، فهي متسلطة على كتابيه بغير واسطة، وإن كان مدلولها تعالوا، فهي متعدية إليه بواسطة إلى، وكتابيه يطلبه هاؤم واقرؤا. فالبصريون يعلمون اقرأوا، والكوفيون يعملون هاؤم، وفي ذلك دليل على جواز التنازع بين اسم الفعل والقسم. وقرأ الجمهور : كِتابِيَهْ، وحِسابِيَهْ في موضعيهما ومالِيَهْ وسُلْطانِيَهْ، وفي القارعة : ما هِيَهْ «١» بإثبات هاء السكت وقفا ووصلا لمراعاة خط المصحف. وقرأ ابن محيصن : بحذفها وصلا ووقفا وإسكان الياء، وذلك كتابي وحسابي ومالي وسلطاني، ولم ينقل ذلك فيما وقفت عليه في ما هِيَهْ في القارعة وابن أبي إسحاق والأعمش : بطرح الهاء فيهما في الوصل لا في الوقف، وطرحها حمزة في مالي وسلطاني وما هي في الوصل لا في الوقف، وفتح الياء فيهن. وما قاله الزهراوي من أن إثبات الهاء في الوصل لحن لا يجوز عند أحد علمته ليس كما قال، بل ذلك منقول نقل التواتر فوجب قبوله.

(١) سورة القارعة : ١٠١/ ١٠.


الصفحة التالية
Icon