البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٢٦١
إِنِّي ظَنَنْتُ : أي أيقنت، ولو كان ظنا فيه تجويز لكان كفرا. فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ : ذات رضا. وقال أبو عبيدة والفراء : راضية مرضية كقوله : مِنْ ماءٍ دافِقٍ «١»، أي مدفوق. فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ : أي مكانا وقدرا. قُطُوفُها : أي ما يجني منها، دانِيَةٌ : أي قريبة التناول يدركها القائم والقاعد والمضطجع بفيه من شجرتها. كُلُوا وَاشْرَبُوا : أي يقال، وهَنِيئاً، تقدم الكلام عليه في أول النساء. وقال الزمخشري :
هنيئا أكلا وشربا هنيئا، أو هنيتم هنيئا على المصدر. انتهى فقوله : أكلا وشربا هنيئا يظهر منه جعل هنيئا صفة لمصدرين، ولا يجوز ذلك إلا على تقدير الإضمار عند من يجيز ذلك، أي أكلا هنيئا وشربا هنيئا. بِما أَسْلَفْتُمْ : أي قدمتم من العمل الصالح، فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ : يعني أيام الدنيا. وقال مجاهد وابن جبير ووكيع وعبد العزيز بن رفيع : أيام الصوم، أي بدل ما أمسكتم عن الأكل والشرب لوجه اللّه تعالى. والظاهر العموم في قوله :
بِما أَسْلَفْتُمْ : أي من الأعمال الصالحة.
يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ : لما رأى فيه قبائح أفعاله وما يصير أمره إليه، تمنى أنه لم يعطه، وتمنى أنه لم يدر حسابه، فإنه انجلى عنه حسابه عن ما يسوءه فيه، إذ كان عليه لا له. يا لَيْتَها : أي الموتة التي متها في الدنيا، كانَتِ الْقاضِيَةَ : أي القاطعة لأمري، فلم أبعث ولم أعذب أو يا ليت الحالة التي انتهيت إليها الآن كانت الموتة التي منها في الدنيا، حيث رأى أن حالته التي هو فيها أمر مما ذاقه من الموتة، وكيف لا وأمره آل إلى عذاب لا ينقطع؟ ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ : يجوز أن يكون نفيا محضا، أخبر بذلك متأسفا على ماله حيث لم ينفعه ويجوز أن يكون استفهاما وبخ به نفسه وقررها عليه. هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ : أي حجتي، قاله ابن عباس ومجاهد والضحاك وعكرمة والسدي. وقال ابن زيد : يقول ذلك ملوك الدنيا. وكان عضد الدولة ابن نويه لما تسمى بملك الأملاك غلاب القدر لم يفلح وجن، فكان لا ينطلق لسانه إلا بقوله : هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ.
خُذُوهُ : أي يقال للزبانية خُذُوهُ فَغُلُّوهُ : أي اجعلوا في عنقه غلّا، ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ، قال الزمخشري : ثم لا تصلوه إلا الجحيم، وهي النار العظمى، لأنه كان سلطانا يتعظم على الناس. يقال : صلى النار وصلاه النار. انتهى، وإنما قدره لا تصلوه إلا الجحيم، لأنه يزعم أن تقديم المفعول يدل على الحصر. وقد تكلمنا معه في ذلك عند قوله : إِيَّاكَ نَعْبُدُ «٢»، وليس ما قاله مذهبا لسيبويه ولا لحذاق النحاة. وأما
(٢) سورة الفاتحة : ١/ ٥.