البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٢٦٢
قوله : لأنه كان سلطانا يتعظم على الناس، فهذا قول ابن زيد وهو مرجوح، والراجح قول ابن عباس ومن ذكر معه : أن السلطان هنا هو الحجة التي كان يحتج بها في الدنيا، لأن من أوتي كتابه بشماله ليس مختصا بالملوك، بل هو عام في جميع أهل الشقاوة.
ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها : أي قياسها ومقدار طولها، سَبْعُونَ ذِراعاً : يجوز أن يراد ظاهره من العدد، ويجوز أن يراد المبالغة في طولها وإن لم يبلغ هذا العدد. قال ابن عباس وابن جريج ومحمد بن المنكدر : بذراع الملك. وقال نوف البكالي وغيره : الذراع سبعون باعا، في كل باع كما بين مكة والكوفة، وهذا يحتاج إلى نقل صحيح. وقال الحسن : اللّه أعلم بأي ذراع هي. وقيل : بالذراع المعروف، وإنما خاطبنا تعالى بما نعرفه ونحصله. وقال ابن عباس : لو وضع منها حلقة على جبل لذاب كالرصاص. فَاسْلُكُوهُ :
أي أدخلوه، كقوله : فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ «١»، والظاهر أنه يدخله في السلسلة، ولطولها تلتوي عليه من جميع جهاته فيبقى داخلا فيها مضغوطا حتى تعمه. وقيل : في الكلام قلب، والسلسلة تدخل في فمه وتخرج من دبره، فهي في الحقيقة التي تسلك فيه، ولا ضرورة تدعو إلى إخراج الكلام عن ظاهره، إلا إن دل الدليل الصحيح على خلافه. وقال الزمخشري : والمعنى في تقديم السلسلة على السلك مثله في تقديم الجحيم على التصلية، أي لا تسلكوه إلا في هذه السلسلة، كأنها أفظع من سائر مواضع الإرهاق في الجحيم. ومعنى ثم : الدلالة على تفاوت ما بين الغل والتصلية بالجحيم، وما بينها وبين السلك في السلسلة، لا على تراخي المدة. انتهى. وقد تقدم أن من مذهبه الحصر في تقديم المعمول، وأما ثم فيمكن بقاؤها على موضوعها من المهلة الزمانية، وأنه أولا يؤخذ فيغل. ولما لم يعذب بالعجلة، صارت له استراحة، ثم جاء تصلية الجحيم، فكان ذلك أبلغ في عذابه، إذ جاءه ذلك وقد سكنت نفسه قليلا، ثم جاء سلكه بعد ذلك بعد كونه مغلولا معذبا في النار، لكنه كان له انتقال من مكان إلى مكان، فيجد بذلك بعض تنفس.
فلما سلك في السلسلة كان ذلك أشد ما عليه من العذاب، حيث صار لا حراك له ولا انتقال، وأنه يضيق عليه غاية، فهذا يصح فيه أن تكون ثم على موضوعها من المهلة الزمانية.
إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ : بدأ بأقوى أسباب تعذيبه وهو كفره باللّه، وإنه تعليل مستأنف، كأن قائلا قال : لم يعذب هذا العذاب البليغ. وقيل : إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ، وعطف وَلا يَحُضُ