البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٢٧٥
على الحال المؤكدة أو المبينة، والعامل فيها لظى، وإن كان عاملا لما فيه من معنى التلظي، كما عمل العلم في الظرف في قوله :
أنا أبو المنهال بعض الأحيان أي : المشهور بعض الأحيان، أو على الاختصاص للتهويل، قاله الزمخشري : وكأنه يعني القطع. فالنصب فيها كالرفع فيها، إذا أضمرت هو فتضمر هنا، أعني تدعو، أي حقيقة يخلق اللّه فيها الكلام كما يخلقه في الأعضاء، قاله ابن عباس وغيره، تدعوهم بأسمائهم وأسماء آبائهم. وقال الزمخشري : وكما خلقه في الشجرة. انتهى، فلم يترك مذهب الاعتزال. وقال الخليل : مجاز عن استدنائها منهم وما توقعه بهم من عذابها. وقال ثعلب :
يهلك، تقول العرب : دعا اللّه، أي أهلكك، وحكاه الخليل عن العرب، قال الشاعر :
ليالي يدعوني الهوى فأجيبه وأعين من أهوى إليّ رواني
وقال آخر :
ترفع للعيان وكل فج طباه الدعي منه والخلاء
يصف ظليما وطباه : أي دعاه والهوى، والدعي لا يدعوان حقيقة، ولكنه لما كان فيهما ما يجذب صارا داعيين مجازا. وقيل : تدعو، أي خزنة جهنم، أضيف دعاؤهم إليها، مَنْ أَدْبَرَ عن الحق، وَتَوَلَّى، وَجَمَعَ فَأَوْعى : أي وجمع المال، فجعله في وعاء وكنزه ولم يؤد حق اللّه فيه، وهذه إشارة إلى كفار أغنياء. وقال الحكيم : كان عبد اللّه بن حكيم لا يربط كيسه ويقول : سمعت اللّه يقول : وَجَمَعَ فَأَوْعى، إِنَّ الْإِنْسانَ جنس، ولذلك استثنى منه إِلَّا الْمُصَلِّينَ. وقيل : الإشارة إلى الكفار. وقال ثعلب : قال لي محمد بن عبد اللّه بن طاهر : ما الهلع؟ فقلت : قد فسره اللّه تعالى، ولا يكون تفسير أبين من تفسيره، وهو الذي إذا ناله شر أظهر شدة الجزع، وإذا ناله خير بخل به ومنعه الناس.
انتهى.
ولما كان شدة الجزع والمنع متمكنة في الإنسان، جعل كأنه خلق محمولا عليهما كقوله : خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ «١»، والخير المال، إِلَّا الْمُصَلِّينَ : استثناء كما قلنا من الإنسان، ولذلك وصفهم بما وصفهم به من الصبر على المكاره والصفات الجميلة التي حاوروها. وقرأ الجمهور : عَلى صَلاتِهِمْ بالإفراد والحسن جمعا وديمومتها، قال

(١) سورة الأنبياء : ٢١/ ٣٧.


الصفحة التالية
Icon