البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٢٧٦
الجمهور : المواظبة عليها. وقال ابن مسعود : صلاتها لوقتها. وقال عقبة بن عامر : يقرون فيها ولا يلتفتون يمينا ولا شمالا، ومنه المال الدائم. وقال الزمخشري : دوامهم عليها أن يواظبوا على أدائها ولا يشتغلون عنها بشيء، ومحافظتهم عليها أن يراعوا إسباغ الوضوء لها ومواقيتها ويقيموا أركانها ويكملوها بسننها وأدائها ويحفظونها من الإحباط باقتران المآثم، والدوام يرجع إلى أنفس الصلوات والمحافظة على أحوالها. انتهى، وهو جوابه لسؤاله :
فإن قلت : كيف قال : عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ، ثم قال : عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ.
وأقول : إن الديمومة على الشيء والمحافظة عليه شيء واحد، لكنه لما كانت الصلاة هي عمود الإسلام بولغ في التوكيد فيها، فذكرت أول خصال الإسلام المذكورة في هذه السورة وآخرها، ليعلم مرتبتها في الأركان التي بني الإسلام عليها، والصفات التي بعد هذه تقدم تفسيرها، ومعظمها في سورة قد أفلح المؤمنون. وقرأ الجمهور : بشهادتهم على الإفراد والسلمي وأبو عمر وحفص : على الجمع.
قوله عز وجل : فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ، عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ، أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ، كَلَّا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ، فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ، عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ، فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ، يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ، خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ.
كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يصلي عند الكعبة ويقرأ القرآن، فكانوا يحتفون به حلقا حلقا يسمعون ويستهزئون بكلامه ويقولون : إن دخل هؤلاء الجنة، كما يقول محمد، فلندخلنها قبلهم، فنزلت.
وتقدم شرح مُهْطِعِينَ في سورة إبراهيم عليه السلام، ومعنى قِبَلَكَ : أي في الجهة التي تليك، عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ : أي عن يمينك وشمالك. وقيل : نزلت في المستهزئين الخمسة. وقرأ الجمهور : أَنْ يُدْخَلَ مبنيا للمفعول وابن يعمر والحسن وأبو رجاء وزيد بن عليّ وطلحة والمفضل عن عاصم : مبنيا للفاعل. كَلَّا : ردّ وردع لطماعيتهم، إذ أظهروا ذلك، وإن كانوا لا يعتقدون صحة البعث، ولا أن ثم جنة ولا نارا.
إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ : أي أنشأناهم من نطفة مذرة، فنحن قادرون على إعادتهم وبعثهم يوم القيامة، وعلى الاستبدال بهم خيرا منهم، قيل : بنفس الخلق ومنته


الصفحة التالية
Icon