البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٢٨٣
لكم لا تكونون على حال ما يكون فيها تعظيم اللّه إياكم في دار الثواب، وللّه بيان للموقر، ولو تأخر لكان صلة، أو لا تخافون للّه حلما وترك معاجلة بالعقاب فتؤمنوا. وقيل : ما لكم لا تخافون للّه عظمة. وعن ابن عباس : لا تخافون للّه عاقبة، لأن العاقبة حال استقرار الأمور وثبات الثواب والعقاب من وقر إذا ثبت واستقر. انتهى. وقيل : ما لكم لا تجعلون رجاءكم للّه وتلقاءه وقارا، ويكون على هذا منهم كأنه يقول : تؤدة منكم وتمكنا في النظر، لأن الفكر مظنة الخفة والطيش وركوب الرأس. انتهى. وفي التحرير قال سعيد بن جبير : ما لكم لا ترجون للّه ثوابا ولا تخافون عقابا، وقاله ابن جبير عن ابن عباس. وقال العوفي عنه : ما لكم لا تعلمون للّه عظمة وعن مجاهد والضحاك : ما لكم لا تبالون للّه عظمة. قال قطرب :
هذه لغة حجازية، وهذيل وخزاعة ومضر يقولون : لم أرج : لم أبال. انتهى.
لا تَرْجُونَ : حال، وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً : جملة حالية تحمل على الإيمان باللّه وإفراده بالعبادة، إذ في هذه الجملة الحالية التنبيه على تدريج الإنسان في أطوار لا يمكن أن تكون إلا من خلقه تعالى. قال ابن عباس ومجاهد من : النطفة والعلقة والمضغة.
وقيل : في اختلاف ألوان الناس وخلقهم وخلقهم ومللهم. وقيل : صبيانا ثم شبابا ثم شيوخا وضعفاء ثم أقوياء. وقيل : معنى أَطْواراً : أنواعا صحيحا وسقيما وبصيرا وضريرا وغنيا وفقيرا.
قوله عز وجل : أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً، وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً، وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً، ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً، وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً، لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلًا فِجاجاً، قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً، وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً، وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً، وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالًا، مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصاراً، وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً، إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً، رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً.
لما نبههم نوح عليه السلام على الفكر في أنفسهم، وكيف انتقلوا من حال إلى حال، وكانت الأنفس أقرب ما يفكرون فيه منهم، أرشدهم إلى الفكر في العالم علوه وسفله، وما أودع تعالى فيه، أي في العالم العلوي من هذين النيرين اللذين بهما قوام الوجود. وتقدم


الصفحة التالية
Icon