البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٢٨٤
شرح طِباقاً في سورة الملك، والضمير في فيهن عائد على السموات، ويقال : القمر في السماء الدنيا، وصح كون السموات ظرفا للقمر، لأنه لا يلزم من الظرف أن يملأه المظروف. تقول : زيد في المدينة، وهو في جزء منها، ولم تقيد الشمس بظرف، فقيل :
هي في الرابعة، وقيل : في الخامسة، وقيل : في الشتاء في الرابعة، وفي الصيف في السابعة، وهذا شيء لا يوقف على معرفته إلا من علم الهيئة. ويذكر أصحاب هذا العلم أنه يقوم عندهم البراهين القاطعة على صحة ما يدعونه، وأن في معرفة ذلك دلالة واضحة على عظمة اللّه وقدرته وباهر مصنوعاته. سِراجاً يستضيء به أهل الدنيا، كما يستضيء الناس بالسراج في بيوتهم، ولم يبلغ القمر مبلغ الشمس في الإضاءة، ولذلك جاء هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً»
، والضياء أقوى من النور. والإنبات استعارة في الإنشاء، أنشأ آدم من الأرض وصارت ذريته منه، فصح نسبتهم كلهم إلى أنهم أنبتوا منها.
وانتصاب نباتا بأنبتكم مصدرا على حذف الزائد، أي إنباتا، أو على إضمار فعل، أي فنبتم نباتا. وقال الزمخشري : المعنى أنبتكم فنبتم، أو نصب بأنبتكم لتضمنه معنى نبتم.
انتهى. ولا أعقل معنى هذا الوجه الثاني الذي ذكره. ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها : أي يصيركم فيها مقبورين، وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً : أي يوم القيامة، وأكده بالمصدر، أي ذلك واقع لا محالة. بِساطاً تتقلبون عليها كما يتقلب الرجل على بساطه. وظاهره أن الأرض ليست كروية بل هي مبسوطة، سُبُلًا : ظرفا، فِجاجاً : متسعة، وتقدم الكلام على الفج في سورة الحج.
ولما أصروا على العصيان وعاملوه بأقبح الأقوال والأفعال، قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي : الضمير للجميع، وكان قد قال لهم : وَأَطِيعُونِ، وكان قد أقام فيهم ما نص اللّه تعالى عليه أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً «٢»، وكانوا قد وسع عليهم في الرزق بحيث كانوا يزرعون في الشهر مرتين. وَاتَّبَعُوا : أي عامتهم وسفلتهم، إذ لا يصح عوده على الجميع في عبادة الأصنام. مَنْ لَمْ يَزِدْهُ : أي رؤساؤهم وكبراؤهم، وهم الذين كان ما تأثلوه من المال وما تكثروا به من الولد سببا في خسارتهم في الآخرة، وكان سبب هلاكهم في الدنيا. وقرأ ابن الزبير والحسن والنخعي والأعرج ومجاهد والأخوان وابن كثير وأبو عمرو ونافع، في رواية خارجة : وولده بضم الواو وسكون اللام والسلميّ والحسن أيضا وأبو رجاء وابن وثاب وأبو جعفر وشيبة ونافع وعاصم وابن عامر : بفتحهما، وهما لغتان،
(٢) سورة العنكبوت : ٢٩/ ١٤. [.....]