البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٢٨٨
قد أجيبت. وما زائدة للتوكيد ومن، قال ابن عطية : لابتداء الغاية، ولا يظهر إلا أنها للسبب. وقرأ عبد اللّه : من خطيئاتهم ما أغرقوا، بزيادة ما بين أغرقوا وخطيئاتهم. وقرأ الجمهور : أُغْرِقُوا بالهمزة وزيد بن عليّ : غرقوا بالتشديد وكلاهما للنقل وخطيئاتهم الشرك وما انجر معه من الكبائر، فَأُدْخِلُوا ناراً : أي جهنم، وعبر عن المستقبل بالماضي لتحققه، وعطف بالفاء على إرادة الحكم، أو عبر بالدخول عن عرضهم على النار غدوّا وعشيا، كما قال : النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها «١». قال الزمخشري : أو أريد عذاب القبر. انتهى. وقال الضحاك : كانوا يغرقون من جانب ويحرقون بالنار من جانب.
فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصاراً : تعريض بانتفاء قدرة آلهتهم عن نصرهم، ودعاء نوح عليه السلام بعد أن أوحى إليه أنه لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ «٢»، قاله قتادة. وعنه أيضا : ما دعا عليهم إلا بعد أن أخرج اللّه كل مؤمن من الأصلاب، وأعقم أرحام نسائهم، وهذا لا يظهر لأنه قال : إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ الآية، فقوله :
وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً يدل على أنه لم يعقم أرحام نسائهم، وقاله أيضا محمد بن كعب والربيع وابن زيد، ولا يظهر كما قلنا، وقد كان قبل ذلك طامعا في إيمانهم عاطفا عليهم. وفي الحديث :«أنه ربما ضربه ناس منهم أحيانا حتى يغشى عليه، فإذا أفاق قال :
اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون».
وديارا : من ألفاظ العموم التي تستعمل في النفي وما أشبهه، ووزنه فيعال، أصله ديوار، اجتمعت الياء والواو وسبقت إحداهما بالسكون فأدغمت ويقال : منه دوّار ووزنه فعال، وكلاهما من الدوران، كما قالوا : قيام وقوام، والمعنى معنى أحد. وعن السدّي : من سكن دارا. وقال الزمخشري : وهو فيعال من الدور أو من الدار. انتهى. والدار أيضا من الدور، وألفها منقلبة عن واو. وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً : وصفهم وهم حالة الولادة بما يصيرون إليه من الفجور والكفر.
ولما دعا على الكفار، استغفر للمؤمنين، فبدأ بنفسه ثم بمن وجب برّه عليه، ثم للمؤمنين، فكأن هو ووالده اندرجوا في المؤمنين والمؤمنات. وقرأ الجمهور :
وَلِوالِدَيَّ، والظاهر أنهما أبوه لمك بن متوشلخ وأمه شمخاء بنت أنوش. وقيل : هما آدم وحوّاء. وقرأ ابن جبير والجحدري : ولوالدي بكسر الدال، فأما أن يكون خص أباه
(٢) سورة هود : ١١/ ٣٦.