البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٣٠٤
عَدَداً
ويجوز أن يتعلق بمحذوف دلت عليه الحال من استضعاف الكفار له واستقلالهم لعدده، كأنه لا يزالون على ما هم عليه حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ. قال المشركون : متى يكون هذا الموعد إنكارا له؟ فقيل : قل إنه كائن لا ريب فيه فلا تنكروه، فإن اللّه قد وعد ذلك، وهو لا يخلف الميعاد. وأما وقته فلا أدري متى يكون، لأن اللّه لم يبينه لما رأى في إخفاء وقته من المصلحة. انتهى. وقوله : بم تعلق إن؟ عنى تعلق حرف الجر، فليس بصحيح لأنها حرف ابتداء، فما بعدها ليس في موضع جر خلافا للزجاج وابن درستوية، فإنهما زعما أنها إذا كانت حرف ابتداء، فالجملة الابتدائية بعدها في موضع جر وإن عنى بالتعلق اتصال ما بعدها بما قبلها، وكون ما بعدها غاية لما قبلها، فهو صحيح. وأما تقديره أنها تتعلق بقوله : يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً، فهو بعيد جدا لطول الفصل بينهما بالجمل الكثيرة. وقال التبريزي : حتى جاز أن تكون غاية لمحذوف، ولم يبين ما المحذوف.
وقيل : المعنى دعهم حتى إذا رأوا ما يوعدون من الساعة، فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً، أهم أم أهل الكتاب؟ والذي يظهر لي أنها غاية لما تضمنته الجملة التي قبلها من الحكم بكينونة النار لهم، كأنه قيل : إن العاصي يحكم له بكينونة النار لهم، والحكم بذلك هو وعيد حتى إذا رأوا ما حكم بكينونته لهم فسيعلمون. فقوله : فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ هو وعيد لهم بالنار، ومن أضعف مبتدأ وخبر في موضع نصب لما قبله، وهو معلق عنه لأن من استفهام. ويجوز أن تكون من موصولة في موضع نصب بسيعلمون، وأضعف خبر مبتدأ محذوف. والجملة صلة لمن، وتقديره : هو أضعف، وحسن حذفه طول الصلة بالمعمول وهو ناصرا. قال مكحول : لم ينزل هذا إلا في الجن، أسلم منهم من وفق وكفر من خذل كالإنس، قال : وبلغ من تابع النبي صلّى اللّه عليه وسلم ليلة الجن سبعين ألفا، وفزعوا عند انشقاق الفجر.
ثم أمره تعالى أن يقول لهم إنه لا يدري وقت طول ما وعدوا به، أهو قريب أم بعيد؟.
قال الزمخشري : فإن قلت : ما معنى قوله : أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً، والأمد يكون قريبا وبعيدا؟ ألا ترى إلى قوله تعالى : تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً «١»؟ قلت : كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يستقرب الموعد، فكأنه قال :«ما أدري أهو حال متوقع في كل ساعة أم مؤجل ضربت له غاية»؟ أي هو عالم الغيب. فَلا يُظْهِرُ : فلا يطلع، ومِنْ رَسُولٍ تبيين لمن ارتضى، يعني أنه لا يطلع على الغيب إلا المرتضى الذي هو مصطفى للنبوّة خاصة، لا كل مرتضي، وفي هذا إبطال للكرامات، لأن الذين تضاف إليهم، وإن كانوا