البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٣١٢
بضمها اتباعا للحركة من القاف. وقرىء : بفتحها طلبا للتخفيف. قال ابن جني : الغرض بالحركة الهروب من التقاء الساكنين، فبأي حركة تحرك الحرف حصل الغرض، وقم طلب. فقال الجمهور : هو على جهة الندب، وقيل : كان فرضا على الرسول خاصة، وقيل : عليه وعلى الجميع. قال قتادة : ودام عاما أو عامين. وقالت عائشة : ثمانية أشهر، ثم رحمهم اللّه فنزلت : إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ الآيات، فخفف عنهم قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا. بين الاستثناء أن القيام المأمور به يستغرق جميع الليل، ولذلك صح الاستثناء منه، إذ لو كان غير مستغرق، لم يصح الاستثناء منه، واستغراق جميعه بالقيام على الدوام غير ممكن، لذلك استثنى منه لراحة الجسد وهذا عند البصريين منصوب على الظرف، وإن استغرقه الفعل وهو عند الكوفيين مفعول به. وفي قوله : إِلَّا قَلِيلًا دليل على أن المستثنى قد يكون مبهم المقدار، كقوله : ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ «١» في قراءة من نصب ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ «٢».
قال وهب بن منبه : القليل ما دون المعشار والسدس. وقال الكلبي ومقاتل : الثلث.
وقيل : ما دون النصف، وجوزوا في نصفه أن يكون بدلا من الليل ومن قليلا. فإذا كان بدلا من الليل، كان الاستثناء منه، وكان المأمور بقيامه نصف الليل إلا قليلا منه. والضمير في منه وعليه عائد على النصف، فيصير المعنى : قم نصف الليل إلا قليلا، أو انقص من نصف الليل قليلا، أو زد على نصف الليل، فيكون قوله : أو انقص من نصف الليل قليلا، تكرارا لقوله : إلا قليلا من نصف الليل، وذلك تركيب غير فصيح ينزه القرآن عنه. قال الزمخشري : نصفه بدل من الليل، وإلا قليلا استثناء من النصف، كأنه قال : قم أقل من نصف الليل. والضمير في منه وعليه للنصف، والمعنى : التخيير بين أمرين، بين أن يقوم أقل من نصف الليل على البت، وبين أن يخنار أحد الأمرين، وهما النقصان من النصف والزيادة عليه. انتهى. فلم يتنبه للتكرار الذي يلزمه في هذا القول، لأنه على تقديره : قم أقل من نصف الليل كان قوله، أو انقص من نصف الليل تكرارا. وإذا كان نِصْفَهُ بدلا من قوله : إِلَّا قَلِيلًا، فالضمير في نصفه إما أن يعود على المبدل منه، أو على المستثنى منه وهو الليل، لا جائز أن يعود على المبدل منه، لأنه يصير استثناء مجهول من مجهول، إذ التقدير إلا قليلا نصف القليل، وهذا لا يصح له معنى البتة. وإن عاد الضمير على الليل، فلا فائدة في الاستثناء من الليل، إذ كان يكون أخصر وأوضح وأبعد عن الإلباس أن يكون
(٢) سورة البقرة : ٢/ ٨٣.