البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٣٢٧
الضحاك : هذا خاص به صلّى اللّه عليه وسلم، ومباح ذلك لأمته، لكنه لا أجر لهم. وعن ابن عباس أيضا :
لا تقل دعوت فلم أجب. وعن قتادة : لا تدل بعملك. وعن ابن زيد : لا تمنن بنبوتك، تستكثر بأجر أو كسب تطلبه منهم. وقال الحسن : تمنن على اللّه بجدك، تستكثر أعمالك ويقع لك بها إعجاب، وهذه الأقوال كلها من المنّ تعداد اليد وذكرها. وقال مجاهد : وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ما حملناك من أعباء الرسالة، أو تستكثر من الخير، من قولهم : حبل متين :
أي ضعيف. وقيل : ولا تعط مستكثرا رائيا لما تعطيه. وقرأ الجمهور : تستكثر برفع الراء، والجملة حالية، أي مستكثرا. قال الزمخشري : ويجوز في الرفع أن تحذف أن ويبطل عملها، كما روي : أحضر الوغى بالرفع. انتهى، وهذا لا يجوز أن يحمل القرآن عليه، لأنه لا يجوز ذلك إلا في الشعر، ولنا مندوحة عنه مع صحة الحال، أي مستكثرا. وقرأ الحسن وابن أبي عبلة : بجزم الراء، ووجهه أنه بدل من تمنن، أي لا تستكثر، كقوله :
يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ «١» في قراءة من جزم، بدلا من قوله : يَلْقَ»
، وكقوله :
متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا تجد حطبا جزلا ونارا تأججا
ويكون من المن الذي في قوله تعالى : لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى «٣»، لأن من شأن المان أن يستكثر ما يعطي أن تراه كثيرا ويعتد به وأجاز الزمخشري فيه وجهين، أحدهما : أن تشبه ثرو بعضد فتسكن تخفيفا والثاني : أن يعتبر حال الوقف، يعني فيجري الوصل مجرى الوقف، وهذان لا يجوز أن يحمل القرآن عليهما مع وجود ما هو راجح عليهما، وهو المبدل. وقرأ الحسن أيضا والأعمش : تستكثر بنصب الراء، أي لن تحقرها.
وقرأ ابن مسعود : أن تستكثر، بإظهار أن. وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ : أي لوجه ربك أمره بالصبر، فيتناول الصبر على تكاليف النبوة، وعلى أداء طاعة اللّه، وعلى أذى الكفار. قال ابن زيد :
على حرب الأحمر والأسود، فكل مصبور عليه ومصبور عنه يندرج في الصبر. وقال الزمخشري : والفاء في قوله : فَإِذا نُقِرَ للتسبب، كأنه قيل : فاصبر على أذاهم، فبين أيديهم يوم عسير يلقون فيه عاقبة أذاهم وتلقى عاقبة صبرك عليه. وقال الزمخشري : والفاء في فَذلِكَ للجزاء. فإن قلت : بم انتصب إذا، وكيف صح أن يقع يومئذ ظرفا ليوم عسير؟ قلت : انتصب إذا بما دل عليه الجزاء، لأن المعنى : فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ، عسر الأمر على الكافرين والذي أجاز وقوع يومئذ ظرفا ليوم عسير أن المعنى : فذلك وقت النقر
(٢) سورة الفرقان : ٢٥/ ٦٨.
(٣) سورة البقرة : ٢/ ٢٦٤.