البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٣٢٨
وقوع يوم عسير، لأن يوم القيامة يأتي ويقع حين ينقر في الناقور. ويجوز أن يكون يومئذ مبنيا مرفوع المحل بدلا من ذلك، ويوم عسير خبر، كأنه قيل : فيوم النقر يوم عسير. فإن قلت : فما فائدة قوله : غَيْرُ يَسِيرٍ، وعسير مغن عنه؟ قلت : لما قال عَلَى الْكافِرِينَ فقصر العسر عليهم، قال غَيْرُ يَسِيرٍ ليؤذن بأنه لا يكون عليهم كما يكون على المؤمنين يسيرا هينا، فيجمع بين وعيد الكافرين وزيادة غيظهم وبشارة المؤمنين وتسليتهم. ويجوز أن يراد به عسير لا يرجى أن يرجع يسيرا، كما يرجى بيسير العسير من أمور الدنيا. انتهى.
وقال الحوفي : فَإِذا، إذا متعلقة بأنذر، أي فأنذرهم إذا نقر في الناقورة، قال أبو البقاء :
يجري على القول الأخفش أن تكون إذا مبتدأ والخبر فذلك والفاء زائدة. فأما يومئذ فظرف لذلك، وأجاز أبو البقاء أن يتعلق على الكافرين بيسير، أي غير يسير، أي غير سهل على الكافرين وينبغي أن لا يجوز، لأن فيه تقديم معمول العامل المضاف إليه غير على العامل، وهو ممنوع على الصحيح وقد أجازه بعضهم فيقول : أنا بزيد غير راض.
ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً : لا خلاف أنها نزلت في الوليد بن المغيرة المخزومي، فروي أنه كان يلقب بالوحيد، أي لأنه لا نظير له في ماله وشرفه في بيته. والظاهر انتصاب وحيدا على الحال من الضمير المحذوف العائد على من، أي خلقته منفردا ذليلا قليلا لا مال له ولا ولد، فآتاه اللّه تعالى المال والولد، فكفر نعمته وأشرك به واستهزأ بدينه.
وقيل : حال من ضمير النصب في ذرني، قاله مجاهد، أي ذرني وحدي معه، فأنا أجزيك في الانتقام منه أو حال من التاء في خلقت، أي خلقته وحدي لم يشركني في خلقي أحد، فأنا أهلكه لا أحتاج إلى ناصر في إهلاكه. وقيل : وحيدا لا يتبين أبوه. وكان الوليد معروفا بأنه دعي، كما تقدم في قوله تعالى : عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ «١»، وإذا كان يدعى وحيدا، فلا يجوز أن ينتصب على الذم، لأنه لا يجوز أن يصدقه اللّه تعالى في أنه وحيدا لا نظير له.
ورد ذلك بأنه لما لقب بذلك صار علما، والعلم لا يفيد في المسمى صفة، وأيضا فيمكن حمله على أنه وحيد في الكفر والخبث والدناءة.
وَجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً، قال ابن عباس : كان له بين مكة والطائف إبل وحجور ونعم وجنان وعبيد وجوار. وقيل : كان صاحب زرع وضرع وتجارة. وقال النعمان بن بشير :
المال المدود هو الأرض لأنها مدت. وقال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه : هو الريع المستغل مشاهرة، فهو مد في الزمان لا ينقطع. وقيل : هو مقدار معين واضطربوا في

(١) سورة القلم : ٦٨/ ١٣.


الصفحة التالية
Icon