البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٣٣١
الحق، وصفه بالهيئات التي تشكل بها حين أراد أن يقول : ما قال كل ذلك على سبيل الاستهزاء، وأن ما يقوله كذب وافتراء، إذ لو كان ممكنا، لكان له هيئات غير هذه من فرح القلب وظهور السرور والجذل والبشر في وجهه، ولو كان حقا لم يحتج إلى هذا الفكر لأن الحق أبلج يتضح بنفسه من غير إكداد فكر ولا إبطاء تأمّل. ألا ترى إلى ذلك الرجل وقوله حين رأى رسول صلّى اللّه عليه وسلم، فعلمت أن وجهه ليس بوجه كذاب، وأسلم من فوره. وقيل : ثم نظر فيما يحتج به للقرآن، فرأى ما فيه من الإعجاز والاعلام بمرتبة الرسول صلّى اللّه عليه وسلم، ودام نظره في ذلك. ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ، دلالة على تأنيه وتمهله في تأمّله، إذ بين ذلك تراخ وتباعد.
وكان العطف في وَبَسَرَ وفي وَاسْتَكْبَرَ، لأن البسور قريب من العبوس، فهو كأنه على سبيل التوكيد والاستكبار يظهر أنه سبب للادبار، إذ الاستكبار معنى في القلب، والإدبار حقيقة من فعل الجسم، فهما سبب ومسبب، فلا يعطف بثم وقدّم المسبب على السبب لأنه الظاهر للعين، وناسب العطف بالواو وكان العطف في فقال بالفاء دلالة على التعقيب، لأنه لما خطر بباله هذا القول بعد تطلبه، لم يتمالك أن نطق به من غير تمهل.
ومعنى يُؤْثَرُ : يروي وينقل، قال الشاعر :
لقلت من القول ما لا يزا ل يؤثر عني به المسند
وقيل : يُؤْثَرُ أي يختار ويرجح على غيره من السحر فيكون من الإيثار، ومعنى إِلَّا سِحْرٌ : أي شبيه بالسحر. إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ : تأكيد لما قبله، أي يلتقط من أقوال الناس، ويظهر أن كفر الوليد إنما هو عناد. ألا ترى ثناءه على القرآن، ونفيه عنه جميع ما نسبوا إليه من الشعر والكهانة والجنون، وقصته مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم حين قرأ عليه أوائل سورة فصلت إلى قوله تعالى : فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ «١»، وكيف ناشده اللّه بالرحم أن يسكت؟ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ، قال الزمخشري : بدل من سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً. انتهى. ويظهر أنهما جملتان اعتقبت كل واحدة، منهما فتوعد على سبيل التوعد العصيان الذي قبل كل واحدة منهما، فتوعد على كونه عنيدا لآيات اللّه بإرهاق صعود، وعلى قوله بأن القرآن سحر يؤثر بإصلائه سقر، وتقدّم الكلام على سقر في أواخر سورة القمر. وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ : تعظيم لهولها وشدتها، لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ :
أي لا تبقي على من ألقي فيها، ولا تذر غاية من العذاب إلا أوصلته إليه.
لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ، قال ابن عباس ومجاهد وأبو رزين والجمهور : معناه مغيرة