البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٣٣٢
للبشرات محرقة للجلود مسوّدة لها، والبشر جمع بشرة، وتقول العرب : لاحت النار الشيء إذا أحرقته وسوّدته. وقال الحسن وابن كيسان : لوّاحة بناء مبالغة من لاح إذا ظهر، والمعنى أنها تظهر للناس، وهم البشر، من مسيرة خمسمائة عام، وذلك لعظمها وهولها وزجرها، كقوله تعالى : لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ «١»، وقوله : وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى «٢». وقرأ الجمهور : لَوَّاحَةٌ بالرفع، أي هي لوّاحة. وقرأ العوفي وزيد بن عليّ والحسن وابن أبي عبلة : لواحة بالنصب على الحال المؤكدة، لأن النار التي لا تبقي ولا تذر لا تكون إلا مغيرة للأبشار. وقال الزمخشري : نصبا على الاختصاص للتهويل.
عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ : التمييز محذوف، والمتبادر إلى الذهن أنه ملك. ألا ترى العرب وهم الفصحاء كيف فهموا منه أن المراد ملك حين سمعوا ذلك؟ فقال أبو جهل لقريش : ثكلتكم أمّهاتكم، أسمع ابن أبي كبشة يخبركم أن خزنة النار تسعة عشر وأنتم الدهم، أيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل منهم؟ فقال أبو الأشد بن أسيد بن كلدة الجمحي، وكان شديد البطش : أنا أكفيكم سبعة عشر فاكفوني أنتم اثنين، فأنزل اللّه تعالى : وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً أي ما جعلناهم رجالا من جنسكم يطاقون، وأنزل اللّه تعالى في أبي جهل أَوْلى لَكَ فَأَوْلى «٣». وقيل : التمييز المحذوف صنفا من الملائكة، وقيل : نقيبا، ومعنى عليها يتولون أمرها وإليهم جماع زبانيتها، فالذي يظهر من العدد ومن الآية بعد ذلك ومن الحديث أن هؤلاء هم النقباء. ألا ترى إلى قوله تعالى :
وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ، وقوله عليه الصلاة والسلام :«يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها»؟
وقد ذكر المفسرون من نعوت هؤلاء الملائكة وخلقهم وقوتهم، وما أقدرهم اللّه تعالى عليه من الأفعال ما اللّه أعلم بصحته، وكذلك ذكر أبو عبد اللّه الرازي حكما على زعمه في كون هؤلاء الملائكة على هذا العدد المخصوص يوقف عليها في تفسيره.
وقرأ الجمهور : تِسْعَةَ عَشَرَ مبنيين على الفتح على مشهور اللغة في هذا العدد.
وقرأ أبو جعفر وطلحة بن سليمان : بإسكان العين، كراهة توالي الحركات. وقرأ أنس بن مالك وابن عباس وابن قطيب وإبراهيم بن قنة : بضم التاء، وهي حركة بناء عدل إليها عن الفتح لتوالي خمس فتحات، ولا يتوهم أنها حركة إعراب، لأنها لو كانت حركة إعراب

(١) سورة التكاثر : ١٠٢/ ٦.
(٢) سورة النازعات : ٧٩/ ٣٦.
(٣) سورة القيامة : ٧٥/ ٣٤.


الصفحة التالية
Icon