البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٣٣٣
لأعرب عشر. وقرأ أنس أيضا : تسعة بالضم، أعشر بالفتح. وقال صاحب اللوامح : فيجوز أنه جمع العشرة على أعشر ثم أجراه مجرى تسعة عشر، وعنه أيضا تسعة وعشر بالضم، وقلب الهمزة من أعشر واوا خالصة تخفيفا، والباء فيهما مضمومة ضمة بناء لأنها معاقبة للفتحة، فرارا من الجمع بين خمس حركات على جهة واحدة. وعن سليمان بن قنة، وهو أخو إبراهيم : أنه قرأ تسعة أعشر بضم التاء ضمة إعراب وإضافته إلى أعشر، وأعشر مجرور منون وذلك على فك التركيب. قال صاحب اللوامح : ويجيء على هذه القراءة، وهي قراءة من قرأ أعشر مبنيا أو معربا من حيث هو جمع، أن الملائكة الذين هم على النار تسعون ملكا. انتهى، وفيه بعض تلخيص. قال الزمخشري : وقرىء تسعة أعشر جمع عشير، مثل يمين وأيمن. انتهى. وسليمان بن قنة هذا هو الذي مدح أهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، وهو القائل :
مررت على أبيات آل محمد فلم أر أمثالا لها يوم حلت
وكانوا ثمالا ثم عادوا رزية لقد عظمت تلك الرزايا وجلت
وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً : أي جعلناهم خلقا لا قبل لأحد من الناس بهم، وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا : أي سبب فتنة، وفتنة مفعول ثان لجعلنا، أي جعلنا تلك العدّة، وهي تسعة عشر، سببا لفتنة الكفار، فليس فتنة مفعولا من أجله، وفتنتهم هي كونهم أظهروا مقاومتهم في مغالبتهم، وذلك على سبيل الاستهزاء. فإنهم يكذبون بالبعث وبالنار وبخزنتها. لِيَسْتَيْقِنَ : هذا مفعول من أجله، وهو متعلق بجعلنا لا بفتنة. فليست الفتنة معلولة للاستيقان، بل المعلول جعل العدّة سببا لفتنة الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ، وهم اليهود والنصارى. إنّ هذا القرآن هو من عند اللّه، إذ هم يجدون هذه العدّة في كتبهم المنزلة، ويعلمون أن الرسول لم يقرأها ولا قرأها عليه أحد، ولكن كتابة يصدّق كتب الأنبياء، إذ كل ذلك حق يتعاضد من عند اللّه تعالى. قال هذا المعنى ابن عباس ومجاهد، وبورود الحقائق من عند اللّه تعالى يزداد كل ذي إيمان إيمانا، ويزول الريب عن المصدّقين من أهل الكتاب وعن المؤمنين. وقيل : إنما صار جعلها فتنة لأنهم يستهزئون ويقولون : لم لم يكونوا عشرين؟ وما المقتضى لتخصيص هذا العدد بالوجود؟
ويقولون هذا العدد القليل، يقوون بتعذيب أكثر العالم من الجن والإنس من أول ما خلق اللّه تعالى إلى قيام الساعة.
وقال الزمخشري : فإن قلت : قد جعل افتتان الكافرين بعدّة الزبانية سببا لاستيقان


الصفحة التالية
Icon