البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٣٣٤
أهل الكتاب وزيادة إيمان المؤمنين واستهزاء الكافرين والمنافقين، فما وجه صحة ذلك؟
قلت : ما جعل افتتانهم بالعدّة سببا لذلك، وإنما العدّة نفسها هي التي جعلت سببا، وذلك أن المراد بقوله : وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا : وما جعلنا عدّتهم إلا تسعة عشر فوضع فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا موضع تِسْعَةَ عَشَرَ، لأن حال هذه العدّة الناقصة واحدا من عقد العشرين، أن يفتتن بها من لا يؤمن باللّه وبحكمته ويعترض ويستهزىء ولا يذعن إذعان المؤمن، وإن خفي عليه وجه الحكمة، كأنه قيل : ولقد جعلنا عدّتهم عدّة من شأنها أن يفتتن بها لأجل استيقان المؤمنين وحيرة الكافرين. انتهى، وهو سؤال عجيب وجواب فيه تحريف كتاب اللّه تعالى، إذ زعم أن معنى إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا : إلا تسعة عشر، وهذا لا يذهب إليه عاقل ولا من له أدنى ذكاء وكفى ردّا عليه تحريف كتاب اللّه ووضع ألفاظ مخالفة لألفاظ ومعنى مخالف لمعنى. وقيل : لِيَسْتَيْقِنَ متعلق بفعل مضمر، أي فعلنا ذلك ليستيقن. وَلا يَرْتابَ : توكيد لقوله لِيَسْتَيْقِنَ، إذ إثبات اليقين ونفي الارتياب أبلغ وآكد في الوصف لسكون النفس السكون التام.
والَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ، قال الحسين بن الفضل : السورة مكية، ولم يكن بمكة نفاق، وإنما المرض في الآية : الاضطراب وضعف الإيمان. وقيل : هو إخبار بالغيب، أي وليقول المنافقون الذين ينجمون في مستقبل الزمان بالمدينة بعد الهجرة :
ما ذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا. لما سمعوا هذا العدد لم يهتدوا وحاروا، فاستفهم بعضهم بعضا عن ذلك استبعادا أن يكون هذا من عند اللّه، وسموه مثلا استعارة من المثل المضروب استغرابا منهم لهذا العدد، والمعنى : أي شيء أراد اللّه بهذا العدد العجيب؟ ومرادهم إنكار أصله وأنه ليس من عند اللّه، وتقدّم إعراب مثل هذه الجملة في أوائل البقرة.
كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ، كَلَّا وَالْقَمَرِ، وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ، وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ، إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ، نَذِيراً لِلْبَشَرِ، لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ، كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ، إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ، فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ، عَنِ الْمُجْرِمِينَ، ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ، قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ، وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ، وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ، حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ، فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ، فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ، كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ، فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ، بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً، كَلَّا بَلْ