البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٣٣٧
إنها، أو من قوله : لَإِحْدَى. قال أبو رزين : نذير هنا هو اللّه تعالى، فهو منصوب بإضمار فعل، أي ادعوا نذيرا. وقال ابن زيد : نذير هنا هو محمد صلّى اللّه عليه وسلم، فهو منصوب بفعل مضمر، أي ناد، أو بلغ، أو أعلن. وقرأ أبيّ وابن أبي عبلة : نذير بالرفع. فإن كان من وصف النار، جاز أن يكون خبرا وخبر مبتدأ محذوف، أي هي نذير. وإن كان من وصف اللّه أو الرسول، فهو على إضمار هو. والظاهر أن لمن بدل من البشر بإعادة الجار، وأن يتقدم منصوب بشاء ضمير يعود على من. وقيل : الفاعل ضمير يعود على اللّه تعالى، أي لمن شاء هو، أي اللّه تعالى. وقال الحسن : هو وعيد، نحو قوله تعالى : فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ «١». قال ابن عطية : هو بيان في النذارة وإعلام بأن كل أحد يسلك طريق الهدى والحق إذا حقق النظر، إذ هو بعينه يتأخر عن هذه الرتبة بغفلته وسوء نظره. ثم قوى هذا المعنى بقوله تعالى : كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ.
وقال الزمخشري : أَنْ يَتَقَدَّمَ في موضع الرفع بالابتداء، ولِمَنْ شاءَ خبر مقدم عليه، كقولك لمن توضأ : أن يصلي، ومعناه مطلق لمن شاء التقدم أو التأخر أن يتقدم أو يتأخر. والمراد بالتقدم والتأخر : السبق إلى الخير والتخلف عنه، وهو كقوله : فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ. انتهى، وهو معنى لا يتبادر إلى الذهن وفيه حذف. قيل :
والتقدم : الإيمان، والتأخر : الكفر. وقال السدي : أن يتقدم إلى النار المتقدم ذكرها، أو يتأخر عنها إلى الجنة. وقال الزجاج : أن يتقدم إلى المأمورات، أو يتأخر عن المنهيات، والظاهر العموم في كل نفس. وقال الضحاك : كل نفس حقيق عليها العذاب، ولا يرتهن اللّه تعالى أحدا من أهل الجنة، ورهينة بمعنى رهن، كالشتيمة بمعنى الشتم، وليست بمعنى مفعول لأنها بغير تاء للمذكر والمؤنث، نحو : رجل قتيل وامرأة قتيل، فالمعنى : كل نفس بما كسبت رهن، ومنه قول الشاعر :
أبعد الذي بالنعف نعف كويكب رهينة رمس ذي تراب وجندل
أي : رمس رهن، والمعنى : أن كل نفس رهن عند اللّه غير مفكوك. وقيل : الهاء في رهينة للمبالغة. وقيل : على تأنيث اللفظ لا على الإنسان، والذي أختاره أنها مما دخلت فيه التاء، وإن كان بمعنى مفعول في الأصل كالنطيحة، ويدل على ذلك أنه لما كان خبرا عن المذكر كان بغير هاء، قال تعالى : كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ «٢». فأنت ترى حيث كان
(٢) سورة الطور : ٥٢/ ٢١.