البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٣٣٨
خبرا عن المذكر أتى بغير تاء، وحيث كان خبرا عن المؤنث أتى بالتاء، كما في هذه الآية.
فأما الذي في البيت فأنث على معنى النفس. إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ، قال ابن عباس : هم الملائكة. وقال عليّ : هم أطفال المسلمين.
فعلى هذين القولين يكون استثناء منقطعا، أي لكن أصحاب اليمين في جنات. وقال الحسن وابن كيسان : هم المسلمون المخلصون، ليسوا بمرتهنين لأنهم أدوا ما كان عليهم، وهذا كقول الضحاك الذي تقدم.
وقال الزمخشري : إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ، فإنهم فكوا عنه رقابهم بما أطابوه من كسبهم، كما يخلص الراهن رهنه بأداء الحق. انتهى. وظاهر هذا أنه استثناء متصل في جنات، أي هم فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ : أي يسأل بعضهم بعضا، أو يكون يتساءل بمعنى يسأل، أي يسألون عنهم غيرهم، كما يقال : دعوته وتداعوته بمعناه. وعلى هذين التقديرين كيف جاء ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ بالخطاب للمجرمين، وفي الكلام حذف، المعنى : أن أصحاب اليمين يسأل بعضهم بعضا، أو يسألون غيرهم عن من غاب من معارفهم، فإذا عرفوا أنهم مجرمون في النار قالوا لهم، أو قالت لهم الملائكة : هكذا قدره بعضهم، والأقرب أن يكون التقدير : يتساءلون عن المجرمين قائلين لهم بعد التساؤل : ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ.
وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف طابق قوله : ما سَلَكَكُمْ؟ وهو سؤال للمجرمين، قوله : يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ؟ وهو سؤال عنهم، وإنما كان يطابق ذلك لو قيل يتساءلون عن المجرمين ما سلككم؟ قلت : ما سَلَكَكُمْ ليس ببيان للتساؤل عنهم، وإنما هو حكاية قول المسئولين عنهم، لأن المسئولين يلقون إلى السائلين ما جرى بينهم وبين المجرمين فيقولون : قلنا لهم ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ، قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ، إلا أن الكلام جيء به على الحذف والاختصار، كما هو نهج التنزيل في غرابة نظمه.
انتهى، وفيه تعسف. والأظهر أن السائلين هم المتسائلون، وما سلككم على إضمار القول كما ذكرنا، وسؤالهم سؤال توبيخ لهم وتحقير، وإلا فهم عالمون ما الذي أدخلهم النار.
والجواب أنهم لم يكونوا متصفين بخصائل الإسلام من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، ثم ارتقوا من ذلك إلى الأعظم وهو الكفر والتكذيب بيوم الجزاء، كقولهم : فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ «١»، ثم قال : ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا «٢». واليقين : أي يقينا على إنكار يوم الجزاء، أي وقت الموت. وقال ابن عطية : واليقين عندي صحة ما كانوا يكذبون من الرجوع إلى اللّه تعالى والدار الآخرة. وقال المفسرون : اليقين : الموت، وذلك عندي هنا متعقب، لأن نفس
(٢) سورة البلد : ٩٠/ ١٧.