البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٣٣٩
الموت يقين عند الكافر وهو حي. وإنما اليقين الذي عنوا في هذه الآية الشيء الذي كانوا يكذبون به وهم أحياء في الدنيا فتيقنوه بعد الموت، وإنما يتفسر اليقين بالموت في قوله تعالى : وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ «١». فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ : ليس المعنى أنهم يشفع لهم فلا تنفع شفاعة من يشفع لهم، وإنما المعنى نفي الشفاعة فانتفى النفع، أي لا شفاعة شافعين لهم فتنفعهم من باب :
على لاحب لا يهتدى بمناره أي : لا منار له فيهتدي به. وتخصيصهم بانتفاء شفاعة الشافعين يدل على أنه قد تكون شفاعات وينتفع بها، ووردت أحاديث في صحة ذلك. فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ :
وهي مواعظ القرآن التي تذكر الآخرة، مُعْرِضِينَ : أي والحال المنتظرة هذه الموصوفة.
ثم شبههم بالحمر المستنفرة في شدة إعراضهم ونفارهم عن الإيمان وآيات اللّه تعالى. وقرأ الجمهور : حُمُرٌ بضم الميم والأعمش : بإسكانها. قال ابن عباس : المراد الحمر الوحشية، شبههم تعالى بالحمر مذمة وتهجينا لهم. وقرأ نافع وابن عامر والمفضل عن عاصم : مُسْتَنْفِرَةٌ بفتح الفاء، والمعنى : استنفرها : فزعها من القسورة وباقي السبعة :
بكسرها، أي نافرة نفر، واستنفر بمعنى عجب واستعجب وسر واستسخر، ومنه قول الشاعر :
أمسك حمارك إنه مستنفر في إثر أحمرة عهدن لعرّب
ويناسب الكسر قوله : فَرَّتْ. وقال محمد بن سلام : سألت أبا سرار العتوي، وكان أعرابيا فصيحا، فقلت : كأنهم حمر ماذا مستنفرة طردها قسورة؟ فقلت : إنما هو فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ، قال : أفرّت؟ قلت : نعم، قال : فمستنفرة إذن. قال ابن عباس وأبو موسى الأشعري وقتادة وعكرمة : القسورة : الرماة. وقال ابن عباس أيضا وأبو هريرة وجمهور من اللغويين : الأسد. وقال ابن جبير : رجال القنص، وهو قريب من القول الأول، وقاله ابن عباس أيضا. وقال ابن الأعرابي : القسورة أول الليل، والمعنى : فرّت من ظلمة الليل، ولا شيء أشدّ نفارا من حمر الوحش، ولذلك شبهت بها العرب الإبل في سرعة سيرها وخفتها.
بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ : أي من المعرضين عن عظات اللّه وآياته،