البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٣٤٧
أو رجل أو غيره. إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ
: أي إلى حكمه يومئذ تقول أين المفر، الْمُسْتَقَرُّ
أي الاستقرار، أو موضع استقرار من جنة أو نار إلى مشيئته تعالى، يدخل من شاء الجنة، ويدخل من شاء النار. بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ
، قال عبد اللّه وابن عباس : بما قدم في حياته وأخر من سنة يعمل بها بعده. وقال ابن عباس أيضا : بما قدم من المعاصي وأخر من الطاعات.
وقال زيد بن أسلم : بما قدم من ماله لنفسه، وبما أخر منه للوارث. وقال النخعي ومجاهد :
بأول عمله وآخره. وقال الضحاك : بما قدم من فرض وأخر من فرض والظاهر حمله على العموم، أي يخبره بكل ما قدم وكل ما أخر مما ذكره المفسرون ومما لم يذكروه.
بَصِيرَةٌ
: خبر عن الإنسان، أي شاهد، قاله قتادة، والهاء للمبالغة. وقال الأخفش : هو كقولك : فلان عبرة وحجة. وقيل : أنث لأنه أراد جوارحه، أي جوارحه على نفسه بصيرة.
وقيل : بصيرة مبتدأ محذوف الموصوف، أي عين بصيرة، وعلى نفسه الخبر. والجملة في موضع خبر عن الإنسان، والتقدير عين بصيرة، وإليه ذهب الفراء وأنشد :
كأن على ذي العقل عينا بصيرة بمقعدة أو منظر هو ناظره
يحاذر حتى يحسب الناس كلهم من الخوف لا تخفى عليهم سرائره
وعلى هذا نختار أن تكون بصيرة فاعلا بالجار والمجرور، وهو الخبر عن الإنسان.
ألا ترى أنه قد اعتمد بوقوعه خبرا عن الإنسان؟ وعلى هذا فالتاء للتأنيث. وتأول ابن عباس البصيرة بالجوارح أو الملائكة الحفظة. والمعاذير عند الجمهور الأعذار، فالمعنى : لو جاء بكل معذرة يعتذر بها عن نفسه فإنه هو الشاهد عليها والحجة البينة عليها. وقيل : المعاذير جمع معذرة. وقال الزمخشري : قياس معذرة معاذر، فالمعاذير ليس بجمع معذرة، إنما هو اسم جمع لها، ونحو المناكير في المنكر. انتهى. وليس هذا البناء من أبنية أسماء الجموع، وإنما هو من أبنية جمع التكسير، فهو كمذاكير وملاميح والمفرد منهما لمحة وذكر ولم يذهب أحد إلى أنهما من أسماء الجموع، بل قيل : هما جمع للمحة وذكر على قياس، أو هما جمع لمفرد لم ينطق به، وهو مذكار وملمحة. وقال السدي والضحاك : المعاذير :
الستور بلغة اليمن، واحدها معذار، وهو يمنع رؤية المحتجب كما تمنع المعذرة عقوبة الذنب. وقاله الزجاج أيضا، أي وإن رمى مستورة يريد أن يخفي عمله، فنفسه شاهدة عليه. وأنشدوا في أن المعاذير الستور قول الشاعر :
ولكنها ضنت بمنزل ساعة علينا وأطت فوقها بالمعاذر
وقيل : البصيرة : الكاتبان يكتبان ما يكون من خير أو شر، أي وإن تستر بالستور وإذا


الصفحة التالية
Icon