البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٣٥
أو موضع ازدجار وارتداع، أي ذلك موضع ازدجار، أو مظنة له. وقرىء مزجر، بإبدال تاء الافتعال زايا وإدغام الزاي فيها. وقرأ زيد بن علي : مزجر اسم فاعل من أزجر، أي صار ذا زجر، كأعشب : أي صار ذا عشب. وقرأ الجمهور : حِكْمَةٌ بالِغَةٌ برفعهما، وجوزوا أن تكون حكمة بدلا من مزدجر أو من ما، أو خبر مبتدأ محذوف، وتقدم قول من جعله خبرا عن كل في قراءة من قرأ مستقر بالجر. وقرأ اليماني : حكمة بالغة بالنصب فيهما حالا من ما، سواء كانت ما موصولة أم موصوفة تخصصت بالصفة، ووصفت الحكمة ببالغة لأنها تبلغ غيرها. فَما تُغْنِ النُّذُرُ مع هؤلاء الكفرة.
ثم سلى رسوله صلى اللّه عليه وسلم فقال : فَتَوَلَّ عَنْهُمْ أي أعرض عنهم، فإن الإنذار لا يجدي فيهم. ثم ذكر شيئا من أحوال الآخرة وما يؤولون إليه، إذ ذاك متعلق باقتراب الساعة، فقال : يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ، والناصب ليوم اذكر مضمرة، قاله الرماني، أو يخرجون. وقال الحسن : المعنى : فتول عنهم إلى يوم، وهذا ضعيف من جهة اللفظ ومن جهة المعنى. أما من جهة اللفظ فحذف إلى، وأما من جهة المعنى فإن توليه عنهم ليس مغيا بيوم يدع الداع.
وجوزوا أن يكون منصوبا بقوله : فَما تُغْنِ النُّذُرُ، ويكون فَتَوَلَّ عَنْهُمْ اعتراضا، وأن يكون منصوبا بقوله : يَقُولُ الْكافِرُونَ، ومنصوبا على إضمار انتظر، ومنصوبا بقوله :
فَتَوَلَّ، وهذا ضعيف جدّا، ومنصوبا بمستقر، وهو بعيد أيضا. وحذفت الواو من يدع في الرسم اتباعا للنطق، والياء من الداع تخفيفا أجريت أل مجرى ما عاقبها، وهو التنوين.
فكما تحذف معه حذفت معها، والداع هو إسرافيل، أو جبرائيل، أو ملك غيرهما موكل بذلك، أقوال. وقرأ الجمهور : نُكُرٍ بضم الكاف، وهو صفة على فعل، وهو قليل في الصفات، ومنه رجل شلل : أي خفيف في الحاجة، وناقة أجد، ومشية سجح، وروضة أنف. وقرأ الحسن وابن كثير : وشبل بإسكان الكاف، كما قالوا : شغل وشغل، وعسر وعسر. وقرأ مجاهد وأبو قلابة والجحدري وزيد بن علي : نكر فعلا ماضيا مبنيا للمفعول، أي جهل فنكر. وقال الخليل : النكر نعت للأمر الشديد، والوجل الداهية، أي تنكره النفوس لأنها لم تعهد مثله، وهو يوم القيامة. قال مالك بن عوف النضري :
أقدم محاج أنه يوم نكر مثلي على مثلك يحمي ويكر
وقرأ قتادة وأبو جعفر وشيبة والأعرج والجمهور : خشعا جمع تكسير وابن عباس وابن جبير ومجاهد والجحدري وأبو عمرو وحمزة والكسائي : خاشعا بالإفراد. وقرأ أبيّ


الصفحة التالية
Icon