البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٣٥٨
هذه السورة مكية في قول الجمهور. وقال مجاهد وقتادة : مدنية. وقال الحسن وعكرمة : مدنية إلا آية واحدة فإنها مكية وهي : وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً. وقيل :
مدنية إلا من قوله : فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ إلخ، فإنه مكي، حكاه الماوردي. ومناسبتها لما قبلها ظاهرة جدّا لا تحتاج إلى شرح.
هَلْ حرف استفهام، فإن دخلت على الجملة الاسمية لم يمكن تأويله بقد، لأن قد من خواص الفعل، فإن دخلت على الفعل فالأكثر أن تأتي للاستفهام المحض. وقال ابن عباس وقتادة : هي هنا بمعنى قد. قيل : لأن الأصل أهل، فكأن الهمزة حذفت واجتزئ بها في الاستفهام، ويدل على ذلك قوله :
سائل فوارس يربوع لحلتها أهل رأونا بوادي النتّ ذي الأكم
فالمعنى : أقد أتى على التقدير والتقريب جميعا، أي أتى على الإنسان قبل زمان قريب حين من الدهر لم يكن كذا، فإنه يكون الجواب : أتى عليه ذلك وهو بالحال المذكور. وما تليت عند أبي بكر، وقيل : عند عمر رضي اللّه تعالى عنهما قال : ليتها تمت، أي ليت تلك الحالة تمت، وهي كونه شيئا غير مذكور ولم يخلق ولم يكلف. والإنسان هنا جنس بني آدم، والحين الذي مرّ عليه، إما حين عدمه، وإما حين كونه نطفة. وانتقاله من رتبة إلى رتبة حتى حين إمكان خطابه، فإنه في تلك المدة لا ذكر له، وسمي إنسانا باعتبار ما صار إليه. وقيل : آدم عليه الصلاة والسلام، والحين الذي مر عليه هي المدة التي بقي فيها إلى أن نفخ فيه الروح. وعن ابن عباس : بقي طينا أربعين سنة، ثم صلصالا أربعين، ثم حمأ مسنونا أربعين، فتم خلقه في مائة وعشرين سنة، وسمي إنسانا باعتبار ما آل إليه.
والجملة من لَمْ يَكُنْ في موضع الحال من الإنسان، كأنه قيل : غير مذكور، وهو الظاهر أو في موضع الصفة لحين، فيكون العائد على الموصوف محذوفا، أي لم يكن فيه.
إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ : هو جنس بني آدم لأن آدم لم يخلق مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ :
أخلاط، وهو وصف للنطفة. فقال ابن مسعود وأسامة بن زيد عن أبيه : هي العروق التي في النطفة. وقال ابن عباس ومجاهد والربيع : هو ماء الرجل وماء المرأة اختلطا في الرحم فخلق الإنسان منهما. وقال الحسن : اختلاط النطفة بدم الحيض، فإذا حبلت ارتفع الحيض. وقال ابن عباس أيضا وعكرمة وقتادة : أمشاج منتقلة من نطفة إلى علقة إلى مضغة إلى غير ذلك إلى إنشائه إنسانا. وقال ابن عباس أيضا والكلبي : هي ألوان النطفة. وقيل :


الصفحة التالية
Icon