البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٣٦٩
وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً : أي مقبولا مثابا. قال قتادة : لقد شكر اللّه سعيا قليلا، وهذا على إضمار يقال لهم. وهذا القول لهم هو على سبيل التهنئة والسرور لهم بضد ما يقال للمعاقب : إن هذا بعملك الرديء، فيزداد غما وحزنا.
ولما ذكر أولا حال الإنسان وقسمه إلى العاصي والطائع، ذكر ما شرف به نبيه محمدا صلّى اللّه عليه وسلم، فقال : إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ، وأمره بالصبر بحكمه، وجاء التوكيد بأن لمضمون الخبر ومدلول المخبر عنه، وأكد الفعل بالمصدر. وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً،
قال قتادة : نزلت في أبي جهل، قال : إن رأيت محمدا يصلي لأطأن على عنقه، فأنزل اللّه تعالى : وَلا تُطِعْ الآية.
والنهي عن طاعة كل واحد منهما أبلغ من النهي عن طاعتهما، لأنه يستلزم النهي عن أحدهما، لأن في طاعتهما طاعة أحدهما. ولو قال :
لا تضرب زيدا وعمرا، لجاز أن يكون نهيا عن ضربهما جميعا، لا عن ضرب أحدهما.
وقال أبو عبيدة : أو بمعنى الواو، والكفور، وإن كان إثما، فإن فيه مبالغة في الكفر. ولما كان وصف الكفور مباينا للموصوف لمجرّد الإثم، صلح التغاير فحسن العطف. وقيل :
الآثم عتبة، والكفور الوليد، لأن عتبة كان ركابا للمآثم متعاطيا لأنواع الفسوق وكان الوليد غالبا في الكفر، شديد الشكيمة في العتوّ.
وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً : يعني صلاة الصبح، وَأَصِيلًا : الظهر والعصر.
وَمِنَ اللَّيْلِ : المغرب والعشاء. وقال ابن زيد وغيره : كان ذلك فرضا ونسخ، فلا فرض إلا الخمس. وقال قوم : هو محكم على وجه الندب. إِنَّ هؤُلاءِ : إشارة إلى الكفرة.
يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ : يؤثرونها على الدنيا. وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ : أي أمامهم، وهو ما يستقبلون من الزمان. يَوْماً ثَقِيلًا : استعير الثقل لليوم لشدته، وهو له من ثقل الجرم الذي يتعب حامله. وتقدم شرح الأسر في سورة القتال. وَإِذا شِئْنا : أي تبديل أمثالهم بإهلاكهم، بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ ممن يطيع. وقال الزمخشري : وحقه أن يجيء بإن لا بإذا، كقوله : وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ «١»، إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ «٢». انتهى. يعني أنهم قالوا إن إذا للمحقق وإن للممكن، وهو تعالى لم يشأ، لكنه قد توضع إذا موضع إن، وإن موضع إذا، كقوله : أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ «٣».

(١) سورة محمد : ٤٧/ ٣٨.
(٢) سورة الأنعام : ٦/ ١٣٣، وسورة إبراهيم : ١٤/ ١١٩، وسورة فاطر : ٣٥/ ١٦.
(٣) سورة الأنبياء : ٢١/ ٣٤.


الصفحة التالية
Icon