البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٣٨
وَازْدُجِرَ فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ، الظاهر أن قوله : وَازْدُجِرَ من أخبار اللّه تعالى، أي انتهروه وزجروه بالسبب والتخويف، قاله ابن زيد وقرأ : لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ «١». قيل : والمعنى أنهم فعلوا به ما يوجب الانزجار من دعائهم حتى ترك دعوتهم إلى الإيمان وعدل إلى الدعاء عليهم. وقال مجاهد : وازدجر من تمام قولهم، أي قالوا وازدجر : أي استطير جنونا، أي ازدجرته الجن وذهبت بلبه وتخبطته. وقرأ ابن إسحاق وعيسى والأعمش وزيد بن عليّ، ورويت عن عاصم : إني بكسر الهمزة، على إضمار القول على مذهب البصريين، أو على إجراء الدعاء مجرى القول على مذهب الكوفيين. وقرأ الجمهور : بفتحها، أي بأني مغلوب، أي غلبني قومي، فلم يسمعوا مني، ويئست من إجابتهم لي. فَانْتَصِرْ : أي فانتقم بعذاب تبعثه عليهم. وإنما دعا عليهم بعد ما يئس منهم وتفاقم أمرهم، وكان الواحد من قومه يخنقه إلى أن يخر مغشيا عليه، وقد كان يقول : اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون،
ومتعلق فَانْتَصِرْ محذوف. وقيل : التقدير فانتصر لي منهم بأن تهلكهم. وقيل : فانتصر لنفسك، إذ كذبوا رسولك فوقعت الإجابة.
وللمتصوفة قول في مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ حكاه ابن عطية، يوقف عليه في كتابه.
فَفَتَحْنا : بيان أن اللّه تعالى انتصر منهم وانتقم. قيل : ومن العجب أنهم كانوا يطلبون المطر سنين، فأهلكهم اللّه تعالى بمطلوبهم. أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ : جعل الماء كأنه آلة يفتح بها، كما تقول : فتحت الباب بالمفتاح، وكأن الماء جاء وفتح الباب، فجعل المقصود، وهو الماء، مقدّما في الوجود على فتح الباب المغلق. ويجوز أن تكون الباء للحال، أي ملتبسة بماء منهمر. وقرأ ابن عامر وأبو جعفر والأعرج ويعقوب : ففتحنا مشدّدا والجمهور : مخففا، أَبْوابَ السَّماءِ، هذا عند الجمهور مجاز وتشبيه، لأن المطر كثره كأنه نازل من أبواب، كما تقول : فتحت أبواب القرب، وجرت مزاريب السماء. وقال عليّ، وتبعه النقاش : يعني بالأبواب المجرة، وهي سرع السماء كسرع العيبة. وذهب قوم إلى أنها حقيقة فتحت في السماء أبواب جرى منها الماء، ومثله مروي عن ابن عباس، قال : أبواب السماء فتحت من غير سحاب، لم تغلق أربعين يوما. قال السدي : مُنْهَمِرٍ : أي كثير. قال الشاعر :
أعينيّ جودا بالدموع الهوامر على خير باد من معد وحاضر

(١) سورة الشعراء : ٢٦/ ١١٦.


الصفحة التالية
Icon