البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٣٨٨
يسقون من ورد البريض عليهم بردا يصفق بالرحيق السلسل
ومنه قول الآخر :
أماني من سعدى حسان كأنما سقتك بها سعدى على ظمأ بردا
والذوق على هذا حقيقة، والنحويون ينشدون على هذا بيت حسان. بردى، بفتح الراء والدال بعدها ألف التأنيث : وهو نهر في دمشق. وتقدم شرح الحميم والغساق، وخلف القرّاء في شدة الشين وخفتها. وِفاقاً : أي لأعمالهم وكفرهم، وصف الجزاء بالمصدر لوافق، أو على حذف مضاف، أي ذا وفاق. وقال الفراء : هو جمع وفق. وقرأ الجمهور : بخف الفاء وأبو حيوة وأبو بحرية وابن أبي عبلة : بشدها من وفقه كذا.
لا يَرْجُونَ : لا يخافون أو لا يؤمنون، والرجاء والأمل مفترقان، والمعنى هنا :
لا يصدقون بالحساب، فهم لا يؤمنون ولا يخافون. وقرأ الجمهور : كِذَّاباً بشد الذال مصدر كذب، وهي لغة لبعض العرب يمانية. يقولون في مصدر فعل فعالا، وغيرهم يجعل مصدره على تفعيل، نحو تكذيب. ومن تلك اللغة قول الشاعر :
لقد طال ما ثبطتني عن صحابتي وعن حاجة قضاؤها من شفائيا
ومن كلام أحدهم وهو يستفتي : الحلق أحب إليك أم القصار، يريد التقصير، يعني في الحج. وقال الزمخشري : وفعال في باب فعل كله فاش في كلام فصحاء من العرب لا يقولون غيره، وسمعني بعضهم أفسر آية فقال : لقد فسرتها فسارا ما سمع بمثله. وقرأ علي وعوف الأعرابي وأبو رجاء والأعمش وعيسى بخلاف عنه بخف الذال.
قال صاحب اللوامح علي، وعيسى البصرة، وعوف الأعرابي : كذابا، كلاهما بالتخفيف، وذلك لغة اليمن بأن يجعلوا مصدر كذب مخففا، كذابا بالتخفيف مثل كتب كتابا، فصار المصدر هنا من معنى الفعل دون لفظه، مثل أعطيته عطاء. انتهى. وقال الأعشى :
فصدقتها وكذبتها والمرء ينفعه كذابه
وقال الزمخشري : هو مثل قوله : أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً «١» يعني : وكذبوا بآياتنا فكذبوا كذابا، أو تنصبه بكذبوا لا يتضمن معنى كذبوا، لأن كل مكذب بالحق كاذب وإن جعلته بمعنى المكاذبة فمعناه : وكذبوا بآياتنا فكاذبوا مكاذبة، أو كذبوا بها مكاذبين لأنهم إذا كانوا عند المسلمين كاذبين وكان المسلمون عندهم كاذبين فبينهم مكاذبة، أو لأنهم