البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٣٨٩
يتكلمون بما هو إفراط في الكذب، فعل من يغالب في أمر فيبلغ فيه أقصى جهده. انتهى.
والأظهر الإعراب الأول وما سواه تكلف، وفي كتاب ابن عطية وكتاب اللوامح. وقرأ عبد اللّه بن عمر بن عبد العزيز : وفي كتاب ابن خالويه عمر بن عبد العزيز والماجشون، ثم اتفقوا كذابا بضم الكاف وشد الذال، فخرج على أنه جمع كاذب وانتصب على الحال المؤكدة، وعلى أنه مفرد صفة لمصدر، أي تكذيبا كذابا مفرطا في التكذيب. وقرأ الجمهور : وَكُلَّ شَيْءٍ بالنصب : وأبو السمال : بالرفع، وانتصب كِتاباً على أنه مصدر من معنى أَحْصَيْناهُ أي إحصاء، أو يكون أَحْصَيْناهُ في معنى كتبناه. والتجوز إما في المصدر وإما في الفعل وذلك لالتقائهما في معنى الضبط، أو على أنه مصدر في موضع الحال، أو مكتوبا في اللوح وفي مصحف الحفظة. وَكُلَّ شَيْءٍ عام مخصوص، أي كل شيء مما يقع عليه الثواب والعقاب، وهي جملة اعتراض معترضة، وفذوقوا مسبب عن كفرهم بالحساب، فتكذيبهم بالآيات. وقال عبد اللّه بن عمر : وما نزلت في أهل النار آية أشد من هذه، ورواه أبو بردة عن النبي صلّى اللّه عليه وسلم.
ولما ذكر شيئا من حال أهل النار، ذكر ما لأهل الجنة فقال : إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً :
أي موضع فوز وظفر، حيث زحزحوا عن النار وأدخلوا الجنة. وحَدائِقَ بدل من مَفازاً وفوزا، فيكون أبدل الجرم من المعنى على حذف، أي فوز حدائق، أي بها.
دِهاقاً، قال الجمهور : مترعة. وقال مجاهد وابن جبير : متتابعة. وقرأ الجمهور : وَلا كِذَّاباً بالتشديد، أي لا يكذب بعضهم بعضا. وقرأ الكسائي بالتخفيف، كاللفظ الأول في قوله تعالى : وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً، مصدر كذب ومصدر كاذب. قال الزمخشري :
جَزاءً : مصدر مؤكد منصوب بمعنى قوله : إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً، كأنه قال : جازى المتقين بمفاز وعطاء نصب بجزاء نصب المفعول به، أي جزاءهم عطاء. انتهى. وهذا لا يجوز لأنه جعله مصدرا مؤكدا لمضمون الجملة التي هي إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً، والمصدر المؤكد لا يعمل، لأنه ليس ينحل بحرف مصدري والفعل، ولا نعلم في ذلك خلافا. وقرأ الجمهور : حِساباً، وهو صفة لعطاء، أي كافيا من قولهم : أحسبني الشيء : أي كفاني. وقال مجاهد : معنى حسابا هنا بتقسيط على الأعمال، أو دخول الجنة برحمة اللّه والدرجات فيها على قدر الأعمال، فالحساب هنا بموازنة الأعمال. وقرأ ابن قطيب : حسابا، بفتح الحاء وشد السين. قال ابن جني : بنى فعالا من أفعل، كدراك من أدرك. انتهى، فمعناه محسبا، أي كافيا. وقرأ شريح بن يزيد الحمصي وأبو البرهسم :


الصفحة التالية
Icon