البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٣٩٩
بنفسه. وقال الجمهور : هو كناية عن إعراضه عن الإيمان. يَسْعى : يجتهد في مكابدة موسى عليه السلام. فَحَشَرَ : أي جمع السحرة وأرباب دولته، فَنادى : أي قام فيهم خطيبا، أو فنادى في المقام الذي اجتمعوا فيه معه. فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى، قال ابن عطية : قول فرعون ذلك نهاية في المخرقة، ونحوها باق في ملوك مصر وأتباعهم. انتهى.
وإنما قال ذلك لأن ملك مصر في زمانه كان اسماعيليا، وهو مذهب يعتقدون فيه إلهية ملوكهم، وكأن أول من ملكها منهم المعز بن المنصور بن القائم بن المهدي عبيد اللّه، ولا هم العاضد وطهر اللّه مصر من هذا المذهب الملعون بظهور الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب بن سادي، رحمه اللّه تعالى وجزاه عن الإسلام خيرا.
فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى، قال ابن عباس : الآخرة قوله : ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي «١»، والأولى قوله : أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى. وقيل العكس، وكان بين قولتيه أربعون سنة. وقال الحسن وابن زيد : نكال الآخرة بالحرق، والأولى يعني الدنيا بالغرق.
وقال مجاهد : عذاب آخرة حياته وأولاها. وقال أبو زرين : الأولى كفره وعصيانه، والآخرة قوله : أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى. وقال مجاهد عبارة عن أول معاصيه، وآخرها : أي نكل بالجميع، وانتصب نكال على المصدر والعامل فيه فَأَخَذَهُ لأنه في معناه وعلى رأي المبرد : بإضمار فعل من لفظه، أي نكل نكال، والنكال بمعنى التنكيل، كالسلام بمعنى التسليم. وقال الزمخشري : نَكالَ الْآخِرَةِ هو مصدر مؤكد، ك وَعَدَ اللَّهُ «٢»، وصِبْغَةَ اللَّهِ «٣»، كأنه قيل : نكل اللّه به نكال الآخرة والأولى. انتهى. والمصدر المؤكد لمضمون الجملة السابقة يقدر له عامل من معنى الجملة. إِنَّ فِي ذلِكَ : فيما جرى لفرعون وأخذه تلك الأخذة، لَعِبْرَةً : لعظة، لِمَنْ يَخْشى : أي لمن يخاف عقوبة اللّه يوم القيامة وفي الدنيا.
قوله عز وجل : أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها، رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها، وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها، وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها، أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها، وَالْجِبالَ أَرْساها، مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ، فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى، يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى، وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى، فَأَمَّا مَنْ طَغى، وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا، فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى، وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى، فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى، يَسْئَلُونَكَ عَنِ
(٢) سورة النساء : ٤/ ١٢٢، وسورة يونس : ١٠/ ٤.
(٣) سورة البقرة : ٢/ ١٣٨.