البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٤٠٧
فَتَنْفَعَهُ، برفع العين عطفا على أَوْ يَذَّكَّرُ وعاصم في المشهور، والأعرج وأبو حيوة وابن أبي عبلة والزعفرني : بنصبهما. قال ابن عطية : في جواب التمني، لأن قوله : أَوْ يَذَّكَّرُ في حكم قوله لَعَلَّهُ يَزَّكَّى. انتهى. وهذا ليس تمنيا، إنما هو ترج وفرق بين الترجي والتمني. وقال الزمخشري : وبالنصب جوابا للعل، كقوله : فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى «١».
انتهى. والترجي عند البصريين لا جواب له، فينصب بإضمار أن بعد الفاء. وأما الكوفيون فيقولون : ينصب في جواب الترجي، وقد تقدم لنا الكلام على ذلك في قوله : فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى في قراءة حفص، ووجهنا مذهب البصريين في نصب المضارع.
أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى : ظاهره من كان ذا ثروة وغنى. وقال الكلبي : عن اللّه. وقيل :
عن الإيمان باللّه. قيل : وكونه بمعنى الثروة لا يليق بمنصب النبوة، ويدل على ذلك أنه لو كان من الثروة لكان المقابل : وأما من جاءك فقيرا حقيرا. وقرأ الحسن وأبو رجاء وقتادة والأعرج وعيسى والأعمش وجمهور السبعة : تَصَدَّى بخف الصاد، وأصله يتصدى فحذف والحرميان : بشدها، أدغم التاء في الصاد وأبو جعفر : تصدى، بضم التاء وتخفيف الصاد، أي يصدك حرصك على إسلامه. يقال : تصدى الرجل وصديته، وهذا المستغنى هو الوليد، أو أمية، أو عتبة وشيبة، أو أمية وجميع المذكورين في سبب النزول، أقوال. قال القرطبي : وهذا كله غلط من المفسرين، لأنه أمية والوليد كانا بمكة، وابن أم مكتوم كان بالمدينة ما حضر معهما، وماتا كافرين، أحدهما قبل الهجرة والآخر في بدر، ولم يقصد قط أمية المدينة، ولا حضر معه مفردا ولا مع أحد. انتهى. والغلط من القرطبي، كيف ينفي حضور ابن أم مكتوم معهما؟ وهو وهم منه، وكلهم من قريش، وكان ابن أم مكتوم بها. والسورة كلها مكية بالإجماع. وكيف يقول : وابن أم مكتوم بالمدينة؟
كان أولا بمكة، ثم هاجر إلى المدينة، وكانوا جميعهم بمكة حين نزول هذه الآية. وابن أم مكتوم هو عبد اللّه بن سرح بن مالك بن ربيعة الفهري، من بني عامر بن لؤي، وأم مكتوم أم أبيه عاتكة، وهو ابن خال خديجة رضي اللّه عنها.
وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى : تحقير لأمر الكافر وحض على الإعراض عنه وترك الاهتمام به، أي : وأي شيء عليك في كونه لا يفلح ولا يتطهر من دنس الكفر؟ وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى : أي يمشي بسرعة في أمر دينه، وَهُوَ يَخْشى : أي يخاف اللّه، أو يخاف الكفار وأذاهم، أو يخاف العثار والسقوط لكونه أعمى، وقد جاء بلا قائد يقوده. تَلَهَّى :