البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٤٢١
هذه السورة مكية. وانفطارها تقدم الكلام فيه، وانتثار الكواكب : سقوطها من مواضعها كالنظام. وقرأ الجمهور : فُجِّرَتْ بتشديد الجيم ومجاهد والربيع بن خيثم والزعفراني والثوري : بخفها، وتفجيرها من امتلائها، فتفجر من أعلاها وتفيض على ما يليها، أو من أسفلها فيذهب اللّه ماءها حيث أراد. وعن مجاهد : فجرت مبنيا للفاعل مخففا بمعنى : بغت لزوال البرزخ نظرا إلى قوله تعالى : لا يَبْغِيانِ»
لأن البغي والفجور متقابلان. بُعْثِرَتْ، قال ابن عباس : بحثت. وقال السدي : أثيرت لبعث الأموات. وقال الفراء : أخرج ما في بطنها من الذهب والفضة. وقال الزمخشري : بعثر وبحثر بمعنى واحد، وهما مركبان من البعث والبحث مع راء مضمومة إليهما، والمعنى : بحثت وأخرج موتاها. وقيل : لبراءة المبعثرة، لأنها بعثرت أسرار المنافقين. انتهى. فظاهر قوله أنهما مركبان أن مادتهما ما ذكر، وأن الراء ضمت إلى هذه المادة، والأمر ليس كما يقتضيه كلامه، لأن الراء ليست من حروف الزيادة، بل هما مادتان مختلفتان وإن اتفقا من حيث المعنى. وأما أن إحداهما مركبة من كذا فلا، ونظيره قولهم : دمث ودمثر وسبط وسبطر.
ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ : تقدم الكلام على شبهه في سورة القيامة وقرأ الجمهور : ما غَرَّكَ، فما استفهامية. وقرأ ابن جبير والأعمش : ما أغرك بهمزة، فاحتمل أن يكون تعجبا، واحتمل أن تكون ما استفهامية، وأغرك بمعنى أدخلك في الغرة. وقال الزمخشري : من قولك غر الرجل فهو غار. إذا غفل من قولك بينهم العدو وهم غارون، وأغره غيره : جعله غارا. انتهى. وروي أنه عليه الصلاة والسلام قرأ : ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ، فقال : جهله
وقاله عمر رضي اللّه تعالى عنه وقرأ أنه كان ظلوما جهولا، وهذا يترتب في الكافر والعاصي. وقال قتادة : عدوه المسلط عليه، وقيل : ستر اللّه عليه.
وقيل : كرم اللّه ولطفه يلقن هذا الجواب، فهذا لطف بالعاصي المؤمن. وقيل : عفوه عنه إن لم يعاقبه أول مرة. وقال الفضيل رضي اللّه عنه : ستره المرخى. وقال ابن السماك :
يا كاتم الذنب أما تستحي واللّه في الخلوة رائيكا
غرك من ربك إمهاله وستره طول مساويكا
وقال الزمخشري : في جواب الفضيل، وهذا على سبيل الاعتراف بالخطأ.
بالاغترار : بالستر، وليس باعتذار كما يظنه الطماع، ويظن به قصاص الحشوية، ويروون