البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٤٣٨
الآية ترد على هذا القول، انتهى. والظاهر من الآية أن الإنسان انقسم إلى هذين القسمين ولم يتعرض للعصاة الذين يدخلهم اللّه النار. يَدْعُوا ثُبُوراً : يقول : وا ثبوراه، والثبور :
الهلاك، وهو جامع لأنواع المكاره. وقرأ قتادة وأبو جعفر وعيسى وطلحة والأعمش وعاصم وأبو عمرو وحمزة : وَيَصْلى بفتح الياء مبنيا للفاعل وباقي السبعة وعمر بن عبد العزيز وأبو الشعثاء والحسن والأعرج : بضم الياء وفتح الصاد واللام مشددة وأبو الأشهب وخارجة عن نافع، وأبان عن عاصم، وعيسى أيضا والعتكي وجماعة عن أبي عمرو : بضم الياء ساكن الصاد مخفف اللام، بني للمفعول من المتعدي بالهمزة، كما بني ويصلى المشدد للمفعول من المتعدي بالتضعيف.
إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً : أي فرحا بطرا مترفا لا يعرف اللّه ولا يفكر في عاقبته لقوله تعالى : لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ «١»، بخلاف المؤمن، فإنه حزين مكتئب يتفكر في الآخرة. إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ : أي أن لن يرجع إلى اللّه، وهذا تكذيب بالبعث. بَلى : إيجاب بعد النفي، أي بلى ليحورن. إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً : أي لا تخفى عليه أفعاله، فلا بد من حوره ومجازاته.
فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ : أقسم تعالى بمخلوقاته تشريفا لها وتعريضا للاعتبار بها، والشفق تقدم شرحه. وقال أبو هريرة وعمر بن عبد العزيز وأبو حنيفة : هو البياض الذي يتلوه الحمزة. وروى أسد بن عمرو أن أبا حنيفة رجع عن قوله هذا إلى قول الجمهور. وقال مجاهد والضحاك وابن أبي نجيح : إن الشفق هنا كأنه لما عطف عليه الليل قال ذلك. قال ابن عطية : وهذا قول ضعيف، انتهى. وعن مجاهد : هو الشمس وعن عكرمة : ما بقي من النهار. وَما وَسَقَ : ما ضم من الحيوان وغيره، إذ جميع ذلك ينضم ويسكن في ظلمة الليل. وقال ابن عباس : وَما وَسَقَ : أي ما غطى عليه من الظلمة. وقال مجاهد :
وما ضم من خير وشر. وقال ابن جبير : وما ساق وحمل. وقال ابن بحر : وما عمل فيه، ومنه قول الشاعر :
فيوما ترانا صالحين وتارة تقوم بنا كالواسق المتلبب
وقال ابن الفضل : لف كل أحد إلى اللّه، أي سكن الخلق إليه ورجع كل إلى ما رآه لقوله : لِتَسْكُنُوا فِيهِ «٢». وقرأ عمر بن عبد اللّه وابن عباس ومجاهد والأسود وابن جبير

(١) سورة القصص : ٢٨/ ٧٦.
(٢) سورة يونس : ١٠/ ٧٦، وسورة القصص : ٢٨/ ٧٣، وسورة غافر : ٤٠/ ٦١.


الصفحة التالية
Icon