البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٤٤٤
أفلح من زكاها، ويكون الجواب دليلا على لعنة اللّه على من فعل ذلك وطرده من رحمة اللّه، وتنبيها لكفار قريش الذين يؤذون المؤمنين ليفتنوهم عن دينهم، على أنهم ملعونون بجامع ما اشتركا فيه من تعذيب المؤمنين. وإذا كان قُتِلَ جوابا للقسم، فهي جملة خبرية، وقيل : دعاء، فكون الجواب غيرها. وقرأ الحسن وابن مقسم بالتشديد، والجمهور بالتخفيف.
وذكر المفسرون في أصحاب الأخدود أقوالا فوق العشرة، ولكل قول منها قصة طويلة كسلنا عن كتابتها في كتابنا هذا ومضمنها أن ناسا من الكفار خدوا أخدودا في الأرض وسجروه نارا وعرضوا المؤمنين عليها، فمن رجع عن دينه تركوه، ومن أصرّ على الإيمان أحرقوه وأصحاب الأخدود هم المحرقون للمؤمنين. وقال الربيع وأبو العالية وابن إسحاق : بعث اللّه على المؤمنين ريحا فقبضت أرواحهم أو نحو هذا، وخرجت النار فأحرقت الكافرين الذين كانوا على حافتي الأخدود، فعلى هذا يكون القتل حقيقة لا بمعنى اللعن، ويكون خبرا عن ما فعله اللّه بالكفار والذين أرادوا أن يفتنوا المؤمنين عن دينهم.
وقول هؤلاء مخالف لقول الجمهور ولما دل عليه القصص الذي ذكروه. وقرأ الجمهور :
النَّارِ بالجر، وهو بدل اشتمال، أو بدل كل من كل على تقدير محذوف، أي أخدود النار. وقرأ قوم النار بالرفع. قيل : على معنى قتلهم، ويكون أصحاب الأخدود إذ ذاك المؤمنين، وقتل على حقيقته. وقرأ الحسن وأبو رجاء وأبو حيوة وعيسى : الوقود بضم الواو وهو مصدر، والجمهور : بفتحها، وهو ما يوقد به. وقد حكى سيبويه أنه بالفتح أيضا مصدر كالضم. والظاهر أن الضمير في إِذْ هُمْ عائد على الذين يحرقون المؤمنين، وكذلك في وَهُمْ على قول الربيع يعود على الكافرين، ويكون هم أيضا عائدا عليهم، ويكون معنى عَلى ما يَفْعَلُونَ : ما يريدون من فعلهم بالمؤمنين. وقيل : أصحاب الأخدود محرق، وتم الكلام عن قوله : ذاتِ الْوَقُودِ، ويكون المراد بقوله : وَهُمْ قريش الذين كانوا يفتنون المؤمنين والمؤمنات، وإذا العامل فيه قتل، أي لعنوا وقعدوا على النار، أو على ما يدنو منها من حافات الأخدود، كما قال الأعشى :
تشب لمقرورين يصطليانها وبات على النار الندي والمحلق
شُهُودٌ : يشهد بعضهم لبعض عند الملك، أي لم يفرط فيما أمر به، أو شهود يوم القيامة على ما فعلوا بالمؤمنين، يوم تشهد عليهم جوارحهم بأعمالهم. وقرأ الجمهور :


الصفحة التالية
Icon