البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٤٤٩
ومن ذهب يبين على تريب كلون العاج ليس بذي غصون
الهزل : ضدّ الجد، وقال الكميت :
تجدّ بنا في كل يوم وتهزل أمهلت الرجل : انتظرته، والمهل والمهلة : السكينة، ومهلته أيضا تمهيلا وتمهل في أمره : اتأد، واستمهلته : انتظرته، ويقال مهلا : أي رفقا وسكونا. رويدا : مصدر أرود يرود، مصغر تصغير الترخيم، وأصله إروادا. وقيل : هو تصغير رود، من قوله : يمشي على رود : أي مهل، ويستعمل مصدرا نحو : رويد عمرو بالإضافة : أي إمهال عمرو، كقوله :
فَضَرْبَ الرِّقابِ «١»، ونعتا لمصدر نحو : ساروا سيرا رويدا وحالا نحو : سار القوم رويدا، ويكون اسم فعل، وهذا كله موضح في علم النحو، واللّه تعالى أعلم.
وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ، وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ، النَّجْمُ الثَّاقِبُ، إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ، فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ، خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ، يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ، إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ، يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ، فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ، وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ، وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ، إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ، وَما هُوَ بِالْهَزْلِ، إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً، وَأَكِيدُ كَيْداً، فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً.
هذه السورة مكية، ولما ذكر فيما قبلها تكذيب الكفار للقرآن، نبه هنا على حقارة الإنسان، ثم استطرد منه إلى أن هذا القرآن قول فصل جد، لا هزل فيه ولا باطل يأتيه. ثم أمر نبيه بإمهال هؤلاء الكفرة المكذبين، وهي آية موادعة منسوخة بآية السيف.
وَالسَّماءِ : هي المعروفة، قاله الجمهور. وقيل : السماء هنا المطر، وَالطَّارِقِ : هو الآتي ليلا، أي يظهر بالليل. وقيل : لأنه يطرق الجني، أي يصكه، من طرقت الباب إذا ضربته ليفتح لك. أتى بالطارق مقسما به، وهي صفة مشتركة بين النجم الثاقب وغيره. ثم فسره بقوله : النَّجْمُ الثَّاقِبُ، إظهارا لفخامة ما أقسم به لما علم فيه من عجيب القدرة ولطيف الحكمة، وتنبيها على ذلك. كما قال تعالى : فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ «٢».
وقال ابن عطية : معنى الآية : والسماء وجميع ما يطرق فيه من الأمور والمخلوقات.
ثم ذكر بعد ذلك، على جهة التنبيه، أجل الطارقات قدرا وهو النجم الثاقب، وكأنه قال :

(١) سورة محمد : ٤٧/ ٤.
(٢) سورة الواقعة : ٥٦/ ٧٥ - ٧٦.


الصفحة التالية
Icon