البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٤٥
فتعاطاها قدار وتناول العقر بيده. ولما كانوا راضين، نسب ذلك إليهم في قوله : فَعَقَرُوا النَّاقَةَ «١»، وفي قوله : فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها «٢». والصيحة التي أرسلت عليهم.
يروى أن جبريل عليه السلام صاح في طرف منازلهم، فتفتتوا وهمدوا وصاروا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ وهو ما تفتت وتهضم من الشجر.
والمحتظر : الذي يعمل الحظيرة، فإنه تتفتت منه حالة العمل وتتساقط أجزاء مما يعمل به، أو يكون الهشيم ما يبس من الحظيرة بطول الزمان، تطأه البهائم فيتهشم. وقرأ الجمهور : بكسر الظاء وأبو حيوة وأبو السمال وأبو رجاء وأبو عمرو بن عبيد : بفتحها، وهو موضع الاحتظار. وقيل : هو مصدر، أي كهشيم الاحتظار، وهو ما تفتت حالة الاحتظار. والحظيرة تصنعها العرب وأهل البوادي للمواشي والسكنى من الأغصان والشجر المورق والقصب. والحظر : المنع وعن ابن عباس وقتادة، أن المحتظر هو المحترق. قال قتادة : كهشيم محترق وعن ابن ابن جبير : هو التراب الذي يسقط من الحائط البالي. وقيل : المحتظر بفتح الظاء هو الهشيم نفسه، فيكون من إضافة الموصوف إلى صفته، كمسجد الجامع على من تأوله كذلك، وكان هنا قيل : بمعنى صار.
قوله عز وجل : كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ، إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ، نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ، وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ، وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ، وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ، فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ، وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ، وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ، كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ، أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ، أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ، سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ، بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ، إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ، يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ، إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ، وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ، وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ، وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ، وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ، إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ، فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ.
تقدمت قصة لوط عليه السلام وقومه. والحاصب من الحصباء، وهو المعنيّ بقوله تعالى : وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ «٣». إِلَّا آلَ لُوطٍ، قيل : إلا ابنتاه،

(١) سورة الأعراف : ٧/ ٧٧.
(٢) سورة الشمس : ٩١/ ١٤.
(٣) سورة الحجرة : ١٥/ ٧٤.


الصفحة التالية
Icon