البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٤٦
وبِسَحَرٍ : هو بكرة، فلذلك صرف، وانتصب نِعْمَةً على أنه مفعول من أجله، أي نجيناهم لإنعامنا عليهم أو على المصدر، لأن المعنى : أنعمنا بالتنجية إنعاما. كَذلِكَ نَجْزِي : أي مثل ذلك الإنعام والتنجية نجزي مَنْ شَكَرَ إنعامنا وأطاع وآمن. وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا : أي أخذتنا لهم بالعذاب، فَتَمارَوْا : أي تشككوا وتعاطوا ذلك، بِالنُّذُرِ : أي بالإنذار، أو يكون جمع نذير. فَطَمَسْنا، قال قتادة : الطمس حقيقة جر جبريل عليه السلام على أعينهم جناحه، فاستوت مع وجوههم. وقال أبو عبيدة : مطموسة بجلد كالوجه.
قيل : لما صفقهم جبريل عليه السلام بجناحه، تركهم يترددون لا يهتدون إلى الباب، حتى أخرجهم لوط عليه السلام.
وقال ابن عباس والضحاك : هذه استعارة، وإنما حجب إدراكهم، فدخلوا المنزل ولم يروا شيئا، فجعل ذلك كالطمس. وقرأ الجمهور : فطمسنا بتخفيف الميم وابن مقسم : بتشديدها. فَذُوقُوا : أي فقلت لهم على ألسنة الملائكة : ذوقوا.
وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً : أي أول النهار وباكره، لقوله : مُشْرِقِينَ «١» ومُصْبِحِينَ «٢». وقرأ الجمهور : بكرة بالتنوين، أراد بكرة من البكر، فصرف. وقرأ زيد بن علي : بغير تنوين. عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ : أي لم يكشفه عنهم كاشف، بل اتصل بموتهم، ثم بما بعد ذلك من عذاب القبر، ثم عذاب جهنم. فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ :
توكيد وتوبيخ ذلك عند الطمس، وهذا عند تصبيح العذاب. قيل : وفائدة تكرار هذا، وتكرار وَلَقَدْ يَسَّرْنَا، التجرد عند استماع كل نبأ من أنباء الأولين، للاتعاظ واستئناف التيقظ إذا سمعوا الحث على ذلك لئلا تستولي عليهم الغفلة، وهكذا حكم التكرير لقوله :
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ «٣» عند كل نعمة عدها في سورة الرحمن. وقوله : فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ «٤» عند كل آية أوردها في سورة والمرسلات، وكذلك تكرير القصص في أنفسها، لتكون العبرة حاضرة للقلوب، مذكورة في كل أوان.
وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ : هم موسى وهارون وغيرهما من الأنبياء، لأنهما عرضا عليهم ما أنذر به المرسلون، أو يكون جمع نذير المصدر بمعنى الإنذار. كَذَّبُوا بِآياتِنا
(٢) سورة الحجر : ١٥/ ٦٦ - ٨٣، وسورة الصافات : ٣٧/ ١٣٧، وسورة القلم : ٦٨/ ١٧.
(٣) سورة الرحمن : ٥٥/ الآية مكررة.
(٤) سورة المرسلات : ٧٧/ الآية مكررة.