البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٤٧
هي التسع، والتوكيد هنا كهو في قوله : وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها «١». والظاهر أن الضمير في : كَذَّبُوا، وفي : فَأَخَذْناهُمْ عائد على آل فرعون. وقيل : هو عائد على جميع من تقدم من الأمم ذكره، وتم الكلام عند قوله : النُّذُرُ. فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ : لا يغالب، مُقْتَدِرٍ : لا يعجز شيء. أَكُفَّارُكُمْ : خطاب لأهل مكة، خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ : الإشارة إلى قوم نوح وهود وصالح ولوط، وإلى فرعون، والمعنى : أهم خير في القوّة وآلات الحروب والمكانة في الدنيا، أو أقل كفؤا وعنادا؟ فلأجل كونهم خيرا لا يعاقبون على الكفر باللّه، وقفهم على توبيخهم، أي ليس كفاركم خيرا من أولئكم، بل هم مثلهم أو شرّ منهم، وقد علمتم ما لحق أولئك من الهلاك المستأصل لما كذبوا الرسل.
أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ : أي ألكم في الكتب الإلهية براءة من عذاب اللّه تعالى؟ قاله الضحاك وعكرمة وابن زيد.
أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ أي واثقون بجماعتنا، منتصرون بقوتنا، تقولون ذلك على سبيل الإعجاب بأنفسكم. وقرأ الجمهور : أم يقولون، بياء الغيبة التفاتا، وكذا ما بعده للغائب. وقرأ أبو حيوة وموسى الأسواري وأبو البرهسم : بتاء الخطاب للكفار، اتباعا لما تقدم من خطابهم. وقرأوا : ستهزم الجمع، بفتح التاء وكسر الزاي وفتح العين، خطابا للرسول صلى اللّه عليه وسلم وأبو حيوة أيضا ويعقوب : بالنون مفتوحة وكسر الزاي وفتح العين والجمهور : بالياء مبنيا للمفعول، وضم العين. وعن أبي حيوة وابن أبي عبلة أيضا : بفتح الياء مبنيا للفاعل ونصب العين : أي سيهزم اللّه الجمع. والجمهور : وَيُوَلُّونَ بياء الغيبة وأبو حيوة وداود بن أبي سالم، عن أبي عمرو : بتاء الخطاب. والدبر هنا : اسم جنس، وجاء في موضع آخر لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ «٢»، وهو الأصل، وحسن اسم الجنس هنا كونه فاصلة. وقال الزمخشري : وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ : أي الأدبار، كما قال : كلوا في بعض بطنكم تعفوا. وقرىء : الأدبار. انتهى، وليس مثل بطنكم، لأن مجيء الدبر مفردا ليس بحسن، ولا يحسن لإفراد بطنكم. وفي قوله تعالى : سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ عدة من اللّه تعالى لرسوله صلى اللّه عليه وسلم بهزيمة جمع قريش والجمهور : على أنها مكية، وتلاها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مستشهدا بها. وقيل : نزلت يوم بدر.
بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ : انتقل من تلك الأقوال إلى أمر الساعة التي عذابها أشد عليهم من كل هزيمة وقتال. وَالسَّاعَةُ أَدْهى : أي أفظع وأشد، والداهية الأمر : المنكر
(٢) سورة الحشر : ٥٩/ ١٢.