البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٤٨
الذي لا يهتدى لدفعه، وهي الرزية العظمى تحل بالشخص. وَأَمَرُّ من المرارة :
استعارة لصعوبة الشيء على النفس. إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ : أي في حيرة وتخبط في الدنيا. وَسُعُرٍ : أي احتراق في الآخرة، جعلوا فيه من حيث مصيرهم إليه. وقال ابن عباس : وخسران وجنون، والسعر : الجنون، وتقدم مثله في قصة صالح عليه السلام.
يَوْمَ يُسْحَبُونَ : يجرون فِي النَّارِ، وفي قراءة عبد اللّه : إلى النار. عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا : أي مقولا لهم : ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ. وقرأ محبوب عن أبي عمرو : مسقر، بإدغام السين في السين. قال ابن مجاهد : إدغامه خطأ لأنه مشدد. انتهى. والظن بأبي عمرو أنه لم يدغم حتى حذف إحدى السينين لاجتماع الأمثال، ثم أدغم.
إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ، قراءة الجمهور : كل شيء بالنصب. وقرأ أبو السمال، قال ابن عطية وقوم من أهل السنة : بالرفع. قال أبو الفتح : هو الوجه في العربية، وقراءتنا بالنصب مع الجماعة. وقال قوم : إذا كان الفعل يتوهم فيه الوصف، وأن ما بعده يصلح للخبر، وكان المعنى على أن يكون الفعل هو الخبر، اختير النصب في الاسم الأول حتى يتضح أن الفعل ليس بوصف، ومنه هذا الموضع، لأن في قراءة الرفع يتخيل أن الفعل وصف، وأن الخبر يقدر. فقد تنازع أهل السنة والقدرية الاستدلال بهذه الآية. فأهل السنة يقولون : كل شيء فهو مخلوق للّه تعالى بقدرة دليله قراءة النصب، لأنه لا يفسر في مثل هذا التركيب إلا ما يصح أن يكون خبرا لو وقع الأول على الابتداء. وقالت القدرية : القراءة برفع كل، وخلقناه في موضع الصفة لكل، أي إن أمرنا أو شأننا كل شيء خلقناه فهو بقدر أو بمقدار، على حد ما في هيئته وزمنه وغير ذلك. وقال الزمخشري : كُلَّ شَيْءٍ منصوب بفعل مضمر يفسره الظاهر. وقرىء : كل شيء بالرفع، والقدر والقدر هو التقدير. وقرىء :
بهما، أي خلقنا كل شيء مقدرا محكما مرتبا على حسب ما اقتضته الحكمة، أو مقدرا مكتوبا في اللوح، معلوما قبل كونه قد علمنا حاله وزمانه. انتهى. قيل : والقدر فيه وجوه :
أحدها : أن يكون بمعنى المقدار في ذاته وصفاته. والثاني : التقدير، قال تعالى : فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ «١». وقال الشاعر :
وما قدّر الرحمن ما هو قادر أي ما هو مقدور. والثالث : القدر الذي يقال مع القضاء، يقال : كان ذلك بقضاء اللّه وقدره، والمعنى : أن القضاء ما في العلم، والقدر ما في الإرادة، فالمعنى في الآية :