البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٤٥٦
الَّذِي خَلَقَ : أي كل شيء، فَسَوَّى : أي لم يأت متفاوتا بل متناسبا على إحكام وإتقان، دلالة على أنه صادر عن عالم حكيم. وقرأ الجمهور : قَدَّرَ بشد الدال، فاحتمل أن يكون من القدر والقضاء، واحتمل أن يكون من التقدير والموازنة بين الأشياء.
وقال الزمخشري : قدّر لكل حيوان ما يصلحه، فهداه إليه وعرّفه وجه الانتفاع به، انتهى.
وقرأ الكسائي : قدر مخفف الدال من القدرة أو من التقدير والموازنة، وهدى عام لجميع الهدايات. وقال الفرّاء : فهدى وأضل، اكتفى بالواحدة عن الأخرى. وقال الكلبي ومقاتل :
هدى الحيوان إلى وطء الذكور للإناث. وقال مجاهد : هدى الإنسان للخير والشر، والبهائم للمراتع. وقيل : هدى المولود عند وضعه إلى مص الثدي، وهذه الأقوال محمولة على التمثيل لا على التخصيص. والظاهر أن أحوى صفة لغثاء. قال ابن عباس : المعنى فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى : أي أسود، لأن الغثاء إذا قدم وأصابته الأمطار اسود وتعفن فصار أحوى. وقيل : أحوى حال من المرعى، أي أحرى المرعى أحوى، أي للسواد من شدّة خضرته ونضارته لكثرة ريه، وحسن تأخير أحوى لأجل الفواصل، قال :
وغيث من الوسمي حوتلاعه تبطنته بشيظم صلتان
سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى، قال الحسن وقتادة ومالك : هذا في معنى لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ
«١». وعده اللّه أن يقرئه، وأخبره أنه لا ينسى، وهذه آية للرسول صلّى اللّه عليه وسلم في أنه أمّيّ، وحفظ اللّه عليه الوحي، وأمنه من نسائه. وقيل : هذا وعد بإقراء السور، وأمر أن لا ينسى على معنى التثبيت والتأكيد، وقد علم أن النسيان ليس في قدرته، فهو نهي عن إغفال التعاهد، وأثبتت الألف في فَلا تَنْسى، وإن كان مجزوما بلا التي للنهي لتعديل رؤوس الآي.
إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ، الظاهر أنه استثناء مقصود. قال الحسن وقتادة وغيرهما : مما قضى اللّه نسخه، وأن ترتفع تلاوته وحكمه. وقال ابن عباس : إلا ما شاء اللّه أن ينسيك لتسن به، على نحو
قوله عليه الصلاة والسلام :«أني لأنسى وأنسى لأسن».
وقيل : إلا ما شاء اللّه أن يغلبك النسيان عليه، ثم يذكرك به بعد، كما
قال عليه الصلاة والسلام، حين سمع قراءة عباد بن بشير :«لقد ذكرني كذا وكذا آية في سورة كذا وكذا»
. وقيل : فَلا تَنْسى : أي فلا تترك العمل به إلا ما شاء اللّه أن تتركه بنسخه إياه، فهذا في نسخ العمل.