البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٤٥٨
كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
«١» : أي إذ كنتم لأنه لم يخبر بكونهم الأعلون إلا بعد إيمانهم. سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى : أي لا يتذكر بذكراك إلا من يخاف، فإن الخوف حامل على النظر في الذي ينجيه مما يخافه، فإذا نظر فأداه النظر والتذكر إلى الحق، وهؤلاء هم العلماء والمؤمنون كل على قدر ما وفق له. يَتَجَنَّبُهَا
: أي الذي، َْشْقَى
: أي المبالغ في الشقاوة، لأن الكافر بالرسول صلّى اللّه عليه وسلم هو أشقى الكفار، كما أن المؤمن به وبما جاء به هو أفضل ممن آمن برسول قبله. ثم وصفه بما يؤول إليه حاله في الآخرة، وهو صلي النار ووصفها بالكبرى.
قال الحسن : النار الكبرى : نار الآخرة، والصغرى : نار الدنيا. وقال الفراء : الكبرى :
السفلى من أطباق النار. وقيل : نار الآخرة تتفاضل، ففيها شيء أكبر من شيء. ثُمَّ لا يَمُوتُ : فيستريح، وَلا يَحْيى حياة هنيئة وجيء بثم المقتضية للتراخي إيذانا بتفاوت مراتب الشدة، لأن التردد بين الحياة والموت أشد وأفظع من الصلي بالنار.
قَدْ أَفْلَحَ : أي فاز وظفر بالبغية، مَنْ تَزَكَّى : تطهر. قال ابن عباس : من الشرك، وقال : لا إله إلا اللّه. وقال الحسن : من كان عمله زاكيا. وقال أبو الأحوص وقتادة وجماعة : من رضخ من ماله وزكاه. وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ : أي وحده، لم يقرنه بشيء من الأنداد، فَصَلَّى : أي أتى الصلاة المفروضة وما أمكنه من النوافل، والمعنى : أنه لما تذكر آمن باللّه، ثم أخبر عنه تعالى أنه أفلح من أتى بهاتين العبادتين الصلاة والزكاة، واحتج بقوله : وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ على وجوب تكبيرة الافتتاح، وعلى أنه جائز بكل اسم من أسمائه تعالى، وأنها ليست من الصلاة، لأن الصلاة معطوفة على الذكر الذي هو تكبيرة الافتتاح، وهو احتجاج ضعيف. وقال ابن عباس : وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ : أي معاده وموقفه بين يدي ربه، فَصَلَّى له. وقرأ الجمهور : بَلْ تُؤْثِرُونَ بتاء الخطاب للكفار. وقيل : خطاب للبر والفاجر يؤثرها البر لاقتناء الثواب، والفاجر لرغبته فيها. وقرأ عبد اللّه وأبو رجاء والحسن والجحدري وأبو حيوة وابن أبي عبلة وأبو عمرو والزعفراني وابن مقسم : بياء الغيبة.
إِنَّ هذا : أي الإخبار بإفلاح من تزكى وإيثار الناس للدنيا، قاله ابن زيد وابن جرير، ويرجح بقرب المشار إليه بهذا. وقال ابن عباس وعكرمة والسدي : إلى معاني السورة. وقال الضحاك : إلى القرآن. وقال قتادة : إلى قوله : وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى.

(١) سورة آل عمران : ٣/ ١٣٩.


الصفحة التالية
Icon